العيب فينا أم فيهم؟!
في طفولتنا كنا ننسج القصص في مخيلتنا فتعبر بنا إلى عوالم لم نعهدها من قبل، فتضيف لنا السعادة والثقة والطموح والأمل بالحياة البيضاء، وبعد أن كبرنا واستوعبنا مجريات الأحداث وحقيقة العالم أصبحنا نرى قصصًا حقيقية يعجب وينفر منها حتى الخيال، انحسر معها اللون الأبيض أمام الأسود في زمن سيطرت فيه مواقع التواصل الاجتماعي والتقنية على مجريات الحياة الاجتماعية لتتبدل معها كل المفاهيم والموازين الاجتماعية.
مما يستوجب إعادة تقييم أولوياتنا المجتمعية، وإذا كنا باحثين عن إسفاف بعض “مشاهير الصدفة” ممن وجدوا فينا سلمًا يقودهم نحو الصعود للشهرة والثراء دون أي اعتبار لما يقدمونه من رسائل تهدم وتشوه بسلبياتها أخلاقيات المجتمعات التي ينتمون لها، أم باحثين عن ما يضيف لنا ويرتقي بنا كمجتمع ينشد التطور الهادف وتنشئة أجيال تبني وتحقق أهدافها المستقبلية بعيداً عن التسطيح والتفاهة، هؤلاء لم يفرضوا أنفسهم علينا بل قادتهم الصدفة في طريقنا من خلال مقاطع خرج بعضها عن المألوف وأخرى كسرت حاجز العيب والحياء فانتشرت كالنار في الهشيم، ليجدوا فينا ضالتهم المنشودة كسوق رائجة يسوقون من خلالها إسفافهم وسماجتهم وجهلهم وينشرون النظرة القاصرة والخاطئة للنموذج الناجح حفظاً لمصادر دخلهم، ولا أخفيكم سرًا أني أضحك عندما نتحدث عن مثل هذه الظواهر السلبية، فالجميع يقر ويعترف بها ويشدد على مكافحتها، لكنك تجد بعضهم لا يخرج من دائرة فلك هذا المشهور حيث يتلقف كل كلماته ويتابع أدق تحركاته وسفرياته وماركات ملبوساته ونوع مأكولاته ومشروباته إما طلباً لعين عطفه ووده ورضاه أو لنقده والتحذير من مبتغاه، وفي الحالتين نجح “مشهور الصدفة” في أن يكون محل حديثنا واهتمامنا، فهل العيب فينا أو فيهم وهل نحن من اخترناهم أم هم من اختارونا.
لست ممن يقف ضدهم ويقصيهم فالشهرة حق مشروع لأي إنسان وحصد فوائدها المادية والمعنوية أيضًا حق مشروع لا ينازعهم عليها إلا حسود، لكن خصومتي معهم تنحصر في سلبياتهم المتكررة، وكم أتمنى منهم تسخير انتشارهم لخدمة قضايا وطنهم ومجتمعاتهم وإيصال رسائل تنعكس بتأثيرها الإيجابي على الأجيال المقبلة وتنقل للعالم صورة حضارية عن أوطانهم، وحينها سيكسبون أصواتنا لأننا سنرى فيهم قدوة حقيقية تنهض بهممنا وتغذي وتثري عقولنا وعقول أجيالنا تماشيًا مع سعينا لتحقيق طموحاتنا ورؤيتنا، وبما أن الأمر ما زال متأرجحاً، كلي أمل بإطلاق المزيد من التشريعات التي تحفظ المجتمعات من التجاوزات الفكرية والأخلاقية والعقائدية.
وكما انتقدت بعض المشاهير السلبيين وجب ذكر مشاهير إيجابيين قدموا جهوداً جبارة في خدمة المجتمع مستشعرين مسؤولياتهم، لكنهم أقل حظوة وانتشار من السلبيين وهو ما يعيد التساؤل المشروع هل العيب فينا أم فيهم.
إبراهيم السليمان
نقلاً عن (الرياض)