الصناعة السعودية .. وتأهيلها عالميا
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
المراقب للمشهد الاقتصادي العالمي يلاحظ أن الدول أصبحت تأخذ بمبدأ التخصص، فهذه دولة صناعية وأخرى سياحية وثالثة مركز مالي وأخرى تقدم الخدمات اللوجستية، وتختار كل دولة التخصص المناسب بناء على ما لديها من ميزة نسبية تكفل لها النجاح أكثر مما لو أخذت بكل التخصصات دون أن تركز وتبدع في بعضها، وبلادنا مؤهلة لأكثر من تخصص لكن اختيار الصناعة والخدمات اللوجستية كان موفقا لأسباب سأتحدث عنها في هذا المقال، وقبل هذا الحديث أذكر أن انطلاقة الصناعة الحقيقية في بلادنا كانت بتأسيس ثلاثة كيانات مهمة: أولها مدينتا الجبيل وينبع الصناعيتان وهما نموذج فريد في المجمعات الصناعية على المستوى العالمي، وثانيها شركة “سابك” العملاقة التي يضرب بها المثل في المهنية والإنتاجية والاعتماد على الكوادر السعودية، أما الكيان الثالث فهو صندوق التنمية الصناعية فإن دوره ليس مجرد تمويل يقدم للمشروع وإنما الأهم تقديم المشورة المهنية والمتابعة للمشاريع لضمان عدم فشلها ووفائها بالتزاماتها، ولتكون منتجاتها عالية الجودة. ومع هذه الكيانات المهمة انطلقت عجلة الصناعة ورفعنا حينها شعار “الصناعة خيار المستقبل”، وزادت قناعتنا بهذا الشعار بعد إدراكنا أن بلادنا ليست زراعية لقلة المياه.
ولم تكن هناك من خيارات أخرى تناسب بلادنا آنذاك، وتراجع اهتمامنا بالصناعة في الفترة الماضية مع أن الصناعة تستحق مزيدا من الاهتمام وأن المناطق الصناعية تحتاج إلى دعم لتوفير الأراضي والخدمات فيها. وعودة إلى أسباب اختيار الصناعة والخدمات اللوجستية لتكون طريقنا إلى التميز عالميا أقول إن السعودية، بشهادة خبراء في دول صناعية عريقة مثل اليابان والصين، مؤهلة بما لديها من ميزات نسبية تتمثل في البترول ومشتقاته والمعادن بأنواعها إضافة إلى الوفرة المالية لدى الحكومة والقطاع الخاص وجاذبيتها للاستثمار الخارجي، مؤهلة لأن تكون لاعبا مهما في مجال الصناعة على المستوى العالمي ويعزز ذلك جودة المنتجات الصناعية السعودية؛ حيث أصبح الطلب عليها عاليا عالميا محليا وهذا هو الأهم، فالمستهلك السعودي كان في بداية ظهور المنتجات السعودية لا يثق بها كثيرا وبمجرد أن يقع نظره على عبارة “صناعة سعودية” يتركها ويبحث عن منتجات الدول الأخرى حتى ولو كانت رديئة، أما اليوم فالمستهلك يبحث عن المنتج السعودي حتى لو كان سعره أعلى من غيره، وفي الأسواق الخارجية نرى كيف يقبل المستهلكون على المنتجات السعودية لمعرفتهم أنها تخضع لمقاييس ومواصفات الجودة العالية، أما اختيار الخدمات اللوجستية مثل النقل والتخزين فقد جاء لتوافر البنية التحتية على مثل هذه الخدمات ولكون موقع بلادنا متوسطا بين القارات ويمكن أن تكون مركزا عالميا لنقل وتخزين البضائع بين الدول في هذه القارات.
وأخيرا: برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية الذي دشنه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يعد من أهم برامج “رؤية 2030”. وإذا نفذ الوزراء كلّ ما يخصه دعم هذا البرنامج فسنجد بلادنا تحتل موقعا مرموقا على خريطة الصناعة العالمية، وسيعود الصناعيون السعوديون إلى حماسهم الذي بدأه رجال حُفرت أسماؤهم في سجل تأسيس الصناعة السعودية لاختيارهم هذا الطريق الصعب رغم كل المعوقات.
علي الشدي
نقلاً عن (الاقتصادية)