مواقف مصر وزيارة محمد بن سلمان
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
أستطيع القول دون مبالغة أو مواربة إن الموقف المصرى فى التعاطى مع المملكة العربية السعودية فى قضية جمال خاشقجى منذ اللحظة الأولى وحتى الأمس القريب اتسم بالعقلانية والحكمة السياسية والقانونية والدبلوماسية ناهيك عن الحنكة والفطنة السياسية فى مثل تلك الملمات التى تحل بالدول فى مثل هذه الظروف وغيرها وأمام تسونامى من النيل والكيدية وتصفية الحسابات السياسية واستغلال الأحداث للعبة سياسية رخيصة مثلما فعلت بعض الدول ليس فى العالم ولكن فى المنطقة أيضا مثلما فعلت تركيا وإيران وما أدراك ما فعلاه ومازالا يفعلان حتى الآن.
ولهذا السبب ومن أجل تلك المواقف البناءة والسياسات الحكيمة لمصر فى التعامل مع هذه القضية جاء ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان للقاهرة أمس لتوجيه التقدير والعرفان لمجمل تلك المؤازرة والمساندة لبلده فى ظروف بلاشك عصيبة وصعبة للغاية ألمت بالمملكة العربية السعودية منذ الثانى من نوفمبر وحتى الآن بفعل آلة سياسية ودبلوماسية مدفوعة وخراطيم نيران إعلامية مأجورة لاهدف ولا مسعى لها سوى النيل من السعودية وطنا وقيادة وحكومة وشعبا وهو مارأت القاهرة أنه أمر طارىء ومستغل بحرفية لأهداف خبيثة لا هدف لها سوى زعزعة استقرار هذا البلد العربى الشقيق والنيل من سلامته ونصب منصات قصف مناوىء ومشبوه لشيطنة هذا البلد وعروى تماسكه وإلحاق اتهامات سخيفة ارتكبها أفراد منفصلون عن الواقع منفلتون سلوكيا ارتكبوا تلك الجريمة بشأن خاشقجى بدوافع وممارسات شخصية وموظفون فى جهاز حيوى ليسوا أسوياء إلحاق تلك الممارسات بأهل الحكم والقرار وهو ما كذبته وفندته وقائع التحقيقات السعودية فضلا عن عدم إثبات أجهزة الأمن والاستخبارات فى الولايات المتحدة.
ورغم ذلك انساقت دول وأفراد ومسئولون وراء الشائعات والأكاذيب دون التيقن لمجمل الحقيقة وكان الغرض والهوى السياسى وحتى الشخصى لقيادات وأفراد حكام ومسئولين كأردوغان وأمير قطر الشيخ تميم هو الإجهاز على السعودية والنيل منها بشتى الطرق من أجل الهدف الأساسى وهو الابتزاز السياسى والاقتصادى والمالى كما تفعل تركيا ومسئولوها ولكنه بات أمرا مفضوحا الآن حيث بات يعلم القاصى والدانى دناءة وسخف ورخص تلك المواقف التركية وحملات الابتزاز عبر مواقف وتصريحات وسلوكيات متناقضة وغير منضبطة وممارسات سياسية منفلتة فى هذا الشأن لا يصح أن تصدر عن رئيس دولة ووزراء سياديين فى حكومته.
بالتأكيد شتان بين الموقف المصرى العاقل الذى اتصفت تحركاته بالعقلانية والموضوعية والحكمة وامتلاك القيادة هنا البصيرة ورجاجة العقل والاتزان فى معالجة مثل تلك الأمور حيث كانت تحكم تلك المواقف عناصر حاكمة فاصلة وقاطعة حيث إنه بالرغم من وحشية وفاجعة تلك الجريمة والرفض والتنديد بها فإنه يجب عدم استباق نتائج التحقيقات والرفض بشكل قاطع وعدم تسييس القضية حيث المنطق الحاكم للرئيس السيسى والدبلوماسية المصرية أنه فى مثل هذه الظروف والملمات لابد من توفير حاضنة مصرية وعربية شاملة للحفاظ على عروبة ووحدة وسلامة وتماسك الدولة والقيادة والشعب السعودى التزاما من النهج الذى خطه واتبعه الرئيس السيسى منذ لحظة وصوله إلى قصر الاتحادية وهو الحفاظ واستعادة روح التضامن العربى وجعل مصر الدرع والسيف عبر استعادة قوتها القومية السياسية والدبلوماسية وحضورها الطاغى حاليا فى المنطقة العربية وإقليم الشرق الأوسط عبر حضور واشتباك دبلوماسى فى كل قضايا الإقليم.
ناهيك عن قوتها العسكرية التى جعلت منها رقما عسكريا صعبا ومعادلاً موضوعياً للقوة والتفوق العسكرى المميز فى الإقليم وصاحبة تصنيف متقدم على مستوى العسكرية العالمية وكل ذلك من أجل الحفاظ على تأمين وسلامة الأمن القومى العربى والسعى بدأب لإنقاذ عواصم عربية ضربها الخلل والانهيارات والتهديم والتخريب الممنهج عبر أكذوبة الخريف العربى وهذا ما تفعله حاليا مصر منذ أكثر من أربع سنوات فى كل من سوريا وليبيا واليمن.
وكان الاعتماد المصرى على تحقيق تلك المعادلة هو توسيع دائرة الحركة والرؤية والتعاون مع الأشقاء فى الخليج دون قطر التى خلقت مصر مع أطراف الرباعية العربية موقفا فاضحا وكاشفا لممارساتها التخريبية ضد مصر وضد منظومة التعاون الخليجى وبالتالى كان لابد أن تكون مصر أول الساعين للمساندة والمؤازرة للمملكة العربية السعودية فى تلك الأزمة الأخيرة انطلاقا من دور وواجب مصر وإرثها القومى والعروبى حيث إن تلك القضية وغيرها ستنتهى وستصبح صفحة من الماضى وأحداثها خلف ظهر السعوديين والعرب ولكن المهم هو استلهام الدروس والعبر عبر مراجعات نقدية موضوعية وإحداث فرز حقيقى للدول والأفراد المخربين الانتهازيين الذين سعوا لضرب وحدة واستقرار وسلامة قيادة إحدى الدول العربية وبين الدول أصحاب المواقف الشجاعة البناءة فى توفير الحاضنة والغطاء السياسى وشبكة الأمان لأى دولة عربية أو حدث عربى عارض -قد يعتقد البعض أن مجمل زيارة الأمير محمد بن سلمان ولقاءاته مع الرئيس السيسى ستتمحور حول تداعيات القضية الأخيرة التى ألمت بالسعودية وتقديم التقدير لمجمل المواقف المصرية ولكن فى ظنى أن الزيارة وجدول أعمالها قد تجاوزت هذه القضية حيث هناك علاقات وتعاون وثيق ومثمر ومصالح سياسية واقتصادية واستثمارية أكبر مما يعتقد البعض تحتاج إلى قوة دفع وزخم لنرى بها نتائج إيجابية فى القريب العاجل فضلا عن قضايا عربية وإقليمية تهم أمن واستقرار المنطقة تحتاج إلى نقاش وتلاقٍ مصرى ـ سعودى خاصة الملفات الشائكة والمعقدة كعملية السلام والتحركات المشتركة مع الأطراف العربية قبل الموقف الأمريكى فى صفقة القرن وأزمات اليمن وسوريا وليبيا وإيران ودورها بعد العقوبات الأمريكية ناهيك عن ترتيبات الأمن القومى العربى القادمة عبر دور مصرى ـ خليجى حيث الدور والمروحة السياسية المصرية أوسع وأشمل لحماية وصيانة الأمن والمصالح العربية وهذا ما تفعله مصر الآن.
أشرف العشرى
نقلاً عن (الأهرام المصرية)