إعلام صهيوني ودولة إسلامية.. (العربية) وداعش المحلي!
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
في الثالث من مارس 2003 انطلق بث قناة (العربية) من دبي، وكنت في تلك الأثناء أحد المستشارين للشيخ وليد البراهيم رئيس مجلس إدارة مجموعة (m.b.c)، ولهذا كنت على اطلاع دقيق بأهداف القناة، فقد جاءت لتكون ذراعا إعلاميا متميزا لخدمة المملكة العربية السعودية بالدرجة الأولى ثم دول مجلس التعاون والوطن العربي، ومنذ أن بدأت القناة لم يشك أو يشكك أحد في أهدافها وأسلوبها ومهنيتها التي تطورت شيئا فشيئا إلى أن تولى الزميل عبدالرحمن الراشد إدارتها فقفزت مهنيا، ونجحت في تدريب واستقطاب أعداد كبيرة من الشباب السعودي من الجنسين، وما زالت القناة تواصل رسالتها بكفاءة وتميز ومهنية عالية شكلا ومضمونا، وكان وما زال لها دور بارز في دعم منهج الاعتدال سياسيا ودينيا، إذ قاومت وما زالت تقاوم التطرف بكل أشكاله عبر مختلف برامجها.
وفي سبتمبر 2006، أطلقت القناة برنامجها (صناعة الموت) الذي يهدف إلى كشف ومقاومة الإرهاب، وهو برنامج جاء منسجما مع هدف العالم وفي صدارته المملكة لمحاربة الإرهاب وكشف عناصره وداعميه والمتعاطفين معه، وقد كان وما زال البرنامج الذي يبث مساء كل جمعة متناغما مع خط القناة العام، ومع السياسة السعودية، ومع كل مسلم يدرك وسطية الإسلام ونبذه للعنف والتطرف والكهنوتية، لكن هذا التوجه النبيل للقناة أزعج فئة المتطرفين في السعودية بل وأقض مضاجعهم، ومع نجاحات الأمن السعودي في محاصرة خلايا الإرهاب، ومواكبة (العربية) إعلاميا لتلك النجاحات والتوغل في جذورها، لم يجد المتطرفون السعوديون سبيلا للتنفيس عما مُنوا به من اندحار سوى التشكيك في تمويل وأهداف القناة، فبدؤوا بالترويج أن أمريكا تمولها، لكنهم لم يجدوا صدى جيدا لهذه الفرية، إلى أن بدأ يلمع في الأفق ظهور جماعات الإسلام السياسي التي كان للمملكة، وبالتالي للقناة وما زال موقفا واضحا صريحا ضدها، فبدأ المتطرفون السعوديون بالترويج لتهمة (صهيونية القناة)، وهم يقصدون بذلك أنها تخدم الأهداف الصهيونية في المنطقة، فإذا عرفنا أن القناة – كما قلت أعلاه – هدفها خدمة سياسة السعودية بالدرجة الأولى، والقناة تعد الجزء الأهم من الإعلام السعودي المتفق معها، فإن اتهامها بأنها (صهيونية)، يعني أن سياسة السعودية كدولة هي إما سياسة صهيونية أو أنها تنسجم مع تلك السياسة الصهيونية، وهي سياسة نعرف ويعرف العالم كله أن المملكة تحاربها بكل الوسائل والسبل، وأن المملكة أكبر داعم للقضية الفلسطينية ماديا ومعنويا منذ الملك عبدالعزيز حتى اليوم، فكيف تكون السعودية مناهضة للصهيونية وللدولة اليهودية، وداعمة فاعلة للقضية الفلسطينية، ويكون إعلامها صهيوني؟
سأترك الإجابة لمن يتأمل، لكن اللافت أن مطلقي التهمة وبعض مروجيها (وأقول بعض المروجين لأن أكثريتهم غوغاء ولا يعرفون ماهي -السالفة- كما يقال) عبر وسائل التواصل الاجتماعي أصحاب شأن في السعودية التي هي (صهيونية التوجه والسياسة) بالضرورة كما يزعمون، فطالما أن إعلامها صهيوني وهي تدعمه، أو تصمت عنه فماذا تكون؟
واضح ومعروف أن لدينا في السعودية أساتذة جامعات ووعاظ مشهورون يدعمون التطرف الذي يعد المنبع الأساس للإرهاب، وهم يفعلون ذلك علنا سواء في بعض القنوات الفضائية التي تزعم إسلاميتها وحدها، أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهم لا يتورعون عن توزيع تهم الفسق والعلمنة والصهينة وحتى الكفر على كل من يختلف مع توجهاتهم ومنهجهم، أو يحاول كشف جهل أو خبث أو دروشة أي منهم، وهناك آخرون كثر يتناغمون معهم ويدعمونهم بالتأييد فضائيا ومقاليا، وتغريدا، وهناك من يتناغم معهم من الخارج، ولكن علينا أن نتحمل نتائج سعة صدورنا مع متطرفينا المحليين قبل أن نغضب من أتباعهم من الخارج، فهؤلاء وأولئك يمتحون من معين واحد ويسعون لهدف واحد، وما بين الرضا والغضب، وبين الصمت والكلام، أرجو ألا يأتي ضحى الغد وقد أصبح معظم الشعب السعودي متهم بأنه (صهيوني) بسبب ما يتهم به إعلامه المحلي، ولأنه يشاهد ويؤيد قناة (العربية) التي تخدم قيادته ودولته، وتقول بملء برامجها (خلي بالك من داعش المحلي)!!.
قينان الغامدي
نقلا عن صحيفة “مكة”