جولة محمد بن سلمان العربية .. هل تعيد ترتيب التحالفات؟
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
ربما لا يمكن اعتبار الجولة العربية الحالية لولي العهد الأمير محمد بن سلمان هي الأهم في قائمة جولاته الخارجية منذ ولايته للعهد، سواء أكان ذلك على المستوى العربي أم الآسيوي أم لدول الغرب بشكل عام، بدءاً بأوروبا ومروراً بزعامات العالم الثلاث الولايات المتحدة وروسيا والصين، كون معظم إن لم تكن جميع جولاته الخارجية تحمل أجندات عملية واضحة ومحددة وذات أبعاد استراتيجية، لاسيما على الجانب الاقتصادي والعسكري، وتتجاوز كثيراً في مجملها المشهد البروتوكولي ومجرد دعم العلاقات المتبادلة مع الدول التي زارها طوال سنوات مضت، ولكن في الوقت ذاته وفِي ظل الظروف المحيطة بالمنطقة وما تشهده من اضطرابات وتغيرات متسارعة، لا يمكن اعتبار هذه الجولة مجرد جولة عادية لمجرد توثيق العلاقات في جانب ومحاولة إنعاشها في جانب آخر، وبالتالي قد ينشأ سؤال مباشر إزاء كل ما سبق: ما الذي يمكن أن تستفيده السعودية كدولة محورية كبرى على المستوى العربي والإقليمي والدولي من جولة ولي العهد العربية في ظل الشتات والتصدع وتذبذب المواقف والخذلان الذي تشهده الحال العربية؟ وهل لا يزال هناك بصيص أمل من التفاؤل تجاه علاقات عربية – عربية، أو لنقل عربية – سعودية يمكن لها أن تهيئ لمرحلة جديدة من التفاهم والتقارب والتوازن في تبادل المصالح؟
ثم يأتي السؤال الأكبر والأهم الذي انطلق منذ الإعلان عن هذه الجولة التي فوجئت بها وسائل الإعلام والمراقبون السياسيون: هل تتجه السعودية فعلياً إلى إعادة ترتيب خريطة تحالفاتها العربية، وبالتالي تعيد النظر في ركائز وأسس علاقاتها العربية على ضوء ما تمليه مصالحها العليا، خصوصاً مع تطورات وأحداث مهمة شهدتها الخريطة العربية في السنوات العشر الأخيرة؟ ربما قد تكتمل الإجابة بعد نهاية هذه الجولة وما ستسفر عنه، لاسيما للدول العربية التي كانت بعيدة عن السعودية وكانت السعودية كذلك بعيدة عنها، وربما قد نحتاج لمزيد من الوقت حتى نتلمس بوصلة نتائج هذه الجولة وما إذا كانت بعض هذه الدول العربية راغبة وجادة فعلاً في إنعاش العلاقات المتبادلة بالشكل الذي يضمن توازناً فعلياً وحقيقياً لمصالح مشتركة على الصعد كافة، وطي الآلية القديمة التي كانت فيها السعودية تتحمل من جانبها فقط كل أوجه الدعم لهذه العلاقات، خاصة في الجانبين الاقتصادي والسياسي.
أتصور من جانبي أن المرحلة اليوم باتت مختلفة تماماً، ولم تعد تتناغم مع سياسة البرقيات والخطابات والبيانات والتصريحات الشكلية التي تنتهجها بعض الدول الشقيقة، والتي لا تلبث أن تتلاشى في حينها من دون أن تكون هناك علاقات متينة وثيقة ونوايا حقيقية وصادقة لرسم خريطة طريق فعلية، بعيداً عن دول وقيادات تزعم الحياد وتبطن ما لا تظهر، وتضع قدماً هنا وأخرى هناك، وتترك الأبواب مواربة والمواقف متذبذبة وتميل مع الرياح حيث تميل.
التحالف في مفهوم السعودية -كما أتصوره- لا ينبني أبداً على صك كامل من الولاء والتوافق الأبدي كما يصوره القافزون على الحقائق، بقدر ما هو تحالف مصالح كبرى متبادلة لا تقبل الابتزاز أو الانتهازية أو المساومة.
المؤكد في نهاية المطاف أن جولة ولي العهد العربية والتي ستسبق قمة العشرين وما ستشهده من لقاءات قمم سعودية منتظرة، ستكون بمثابة الماسح الضوئي لمستقبل العلاقات السعودية مع الدول العربية التي سيحط فيها ركاب الأمير محمد بن سلمان، مع استثناء متانة وصلابة العلاقة التي تربط السعودية بدول التحالف الرباعي التي كانت ضمن برنامج جولته.
خالد دراج
(الحياة)