رحلة حجاج الكويت قديما.. 3 أشهر من المسير في قلب الصحراء
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
رغم أن المسافة بين مدينة الكويت والعاصمة المقدسة لا تستغرق عشرات الدقائق بالطائرة، قد تمتد لساعات بالسيارة، إلا أن الحجاج الكويتيين كانوا يستغرقون 3 أشهر في رحلتهم للأراضي المقدسة يقطعونها عبر الصحراء ذهابا وإيابا.
تقول المعلومات التاريخية التي اطلعت عليها “عناوين” كانت الرحلة تبدأ من شهر ذي القعدة إلى شهر صفر) على عكس التوقيت الذى يقطعه الحجاج الآن، في ظل تطور وسائل النقل وسرعتها.
ووفقا لما أورده كتاب” حملات الحج الكويتية عبر التاريخ”، والذي شارك في تأليفه كل من “عدنان الرومي، صالح المسباح، د.خالد الشطي” كانت الرحلة تبدأ باختيار صاحب الحملة، ومهنة “قيادة حملة حج”، يشترط في صاحبها الخبرة الجيدة بالصحراء ومسارات الطرق وأماكن وجود المياه، وتفادي المخاطر المحتملة.
ويتولى قائد الحملة لقاء مبلغ من المال توفير الجمال والغذاء والسكن لأفراد القافلة، ويحدد لهم ساعة الانطلاق، وغالبًا ما تكون قبل وقت كاف، تحسبًا لأي ظرف قد يحدث لقافلته، وبحسب نيته زيارة المدينة المنورة بعد الحج أو قبله.
وعندما يقرر أحد أفراد الأسرة الحج، يرفع علمًا أحمر أو أبيض أو أخضر على أسطح البيوت للدلالة على سفر أحدهم، وهناك تقليد شعبي لبنات الحي؛ إذ يحملن سلة صغيرة تسمى (الحيّة) من الخوص يزرع فيه بعض النباتات كالحلبة أو الشعير أو الرشاد.
وعند وقت وصولهم يكون النبات قد كبر، وإن فسد فمعناه أن مكروها قد حصل لهم، وتتجه البنات بالسلال إلى البحر وترددن هناك: “ياحياتي يا بيتي/ حيي لأبوي/حيي لأمي”، ثم يرمين السلال في البحر وهن مسرورات.
ويبدأ قائد الحملة بتجهيز الجمال إما بشرائها أو استئجارها، ثم يركب المحمل أو هودج النساء -والهودج قبة يوضع على ظهر الجمل يمكنه من حمل امرأتين مصنوع من أغصان الخيزران أو الأثل، ويغطى بغطاء سميك اتقاء للظروف الجوية المختلفة.
أما الجمال التي سيمتطيها الرجال، فيكتفى فيها بتركيب ما يعرف بالشداد، وعلى جانبيه خرجان يضع الحاج فيهما أمتعته، على أن يمسك الراكب بقطعة خشب بارزة أمامه؛ حفظا لتوازنه فوق ظهر الجمل.
وكان على قائد الحملة أن يستعين بعدد من الرجال الذين لهم خبرة في الطرق البرية، ويصل عددهم إلى الثلاثين تقريبا، ويمسك هؤلاء بالجمال التي تحمل النساء، وهم يسيرون على أقدامهم، وتنطلق الرحلة مع بداية شهر ذي القعدة.
وكانت القافلة تنطلق إلى مكة عبر الجهراء ثم حفر الباطن ثم الأرطاوية وأم الجماجم ثم القصيم، ثم مكة المكرمة، عبر الطريق الجنوبي الغربي، أما من اختار زيارة المدينة المنورة فيتجه عبر الطريق الغربي، مرورًا بعقلة الصقور والنقرة وعرجا والحناكية.
وإذا وصلوا المدينة، قضوا فيها أياما يزورون فيها المسجد النبوي ويصلون فيه، ويزورون أيضًا قبر الرسول- صلى الله عليه وسلم- والمساجد التاريخية، ثم يشقون طريقهم إلى مكة المكرمة، وتسير القافلة أول الصباح الباكر، حتى تشتد الشمس حيث تتوقف للاستراحة.
ويتم تناول بعض الطعام والقهوة، خلال استراحة (مضحى) وتترك الجمال في هذه الفترة لترعى في الصحراء، وقد عُقِلت رجلاها الأماميتان حتى لا تبتعد عن الحملة، وتستأنف الحملة بعد الاستراحة مسيرتها إلى العصر؛ حيث يتوقفون أيضًا؛ للصلاة والغداء ونيل قسط من الراحة ثم يكملون المسير حتى إذا ما حل الغروب أناخوا جمالهم للراحة وتناول العشاء ثم النوم، وتتوقف الحملات للاستراحة عادة في الأماكن الآمنة والقريبة من آبار الماء؛ حيث يتزودون بالماء.
وكان يتم استعمال بعض الأقمشة لتصفية المياه من الشوائب، ويُسحَب الماء من الآبار بواسطة الجمال التي تسحب القرب الكبيرة المربوطة بالحبال لاستخراج الماء من الآبار التي يزيد عمقها في بعض الأحيان عن ستين مترًا.
وعند توقف الحملة مع أذان المغرب يقوم الرجال بنصب خيامهم ثم تبدأ كل مجموعة أو عائلة بتجهيز طعامها بعد صلاة المغرب، استعدادًا لتناول العشاء ثم المبيت، ليعودوا للمسير فجرًا، وهكذا إلى أن يصلوا إلى المكان المطلوب.
وعندما تصل القافلة إلى مكة المكرمة يحرمون من “قرن المنازل”، ثم ينصبون خيامهم على أطراف مكة المكرمة، في حين يسكن المقتدرون في البيوت المخصصة للإيجار، مقابل خمسين إلى ثمانين ريالًا.
وربما تعرضت القافلة في طريقها إلى كثير من قطاع الطرق، لكن الطرق غدت آمنة بعد تولي الملك عبدالعزيز الحكم وبسط نفوذه على أرجاء الجزيرة العربية، وعندما تنتهي رحلة الحج وتعود القافلة إلى الكويت، يتقدم شخص يسمى البشير، ليسبق القافلة وليشيع خبر وصولها، ويتلقى من الأهالي بعض الهدايا فرحًا بذلك.