الفتاة المدانة قبل المحاكمة!
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
هل يجهل أحد أن فتاة صعدت على مسرح عكاظ واحتضت فناناً ؟! بالطبع لا، وكيف يجهل أحد ونحن مجتمع يتناقل السوءة ويفرح بها ويحاكِم عليها ؟
نعم، لقد نصّب كثير منا نفسه محققاً أو قاضياً وأصدر حكمه على الفتاة، وإن كان يعجب المرء من وقوع ذلك من عقلاء الناس، إلا أنه يزداد عجباً عندما ينجرف المحامون الذين يُفترض فيهم أن يكونوا عوناً لتحقيق مجرى العدالة، ليصبحوا مرددين لما تطرب له آذان الناس وتشفى به نفوسهم، أما الحق والعدل والحكمة والإنصاف والإمعان والرحمة فلا محل لذلك كله وسط ضجيج التجريم والقسوة والإدانة والحكم على المخطيء.
إن مهمة المحامي أن يكون رافداً من روافد توعية الناس لحقوقهم القانونية وأسس العدالة، أما أن يكون صدىً لما يردده أصحاب الضجيج بعد أن يُلبسه لباساً قانونياً لمجرد تسويق نفسه إعلامياً فهو سقوط مهني في اختبار يسير كهذا.
هل يصح أن يطلق محام مجموعة أحكام بسبب مشاهدته لتصرف الفتاة ويحكم عليها دون أن يعرف ظروف وملابسات الحادثة ؟!
هل يجهل محام أن من أصول القانون أن الأصل براءة المتهم حتى تثبت إدانته ؟ وهل يجهل أن هناك عوارض للناس وظروف قد ترفع عنهم حتى المسؤولية الجنائية أو قد تخففها على أقل تقدير ؟! وهل يجهل محام أن النظام قد أتاح للمجرم الإرهابي –فضلا عن غيره- أن يوكل عنه محامياً فإن لم يستطع وكلت عنه الحكومة ليساهم المحامي في تحقيق العدالة ؟!
وهل يصح من مهني يستهدف العدالة وتحقيقها أن يؤثر على سير التحقيق فيها وعلى نفسية وتفكير القاضي ناظر الدعوى ؟!
أيجهل المحامي أن المدعي العام والقاضي بشر ممن خلق – سبحانه – يتأثرون بما يسمعون وبما يدور في محيطهم وما يلقيه عليهم الخصوم ؟! ألم يدرك المحامي خطورة لعبة الإعلام وحجم تأثيره في المجتمعات.
أيجهل المحامي حديث النبي عليه الصلاة والسلام الذي روته أم سلمة هند بنت أبي أمية وصححه المحدث الألباني:” إنكم تختصمون إليّ وإنما أنا بشر، ولعل بعضكم أن يكون ألحنَ بحجته من بعض، وإنما أقضي لكم على نحو مما أسمع منكم، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار يأتي بها يوم القيامة ” ؟!
أيجهل المحامي ورجل القانون ما روته عائشه -رضي الله عنها- عنه صلى الله عليه وسلم: ادرؤوا الحدودَ عن المسلمينَ ما استطعتم فإن وجدتم للمسليمنَ مخرجًا فخلُّوا سبيلهم فإنَّ الإمامَ إن يُخطئُ فيالعفوِ خيرٌ من أن يُخطئَ في العقوبةِ . أخرجه الترمذي، وابن أبي شيبة في ((المصنف))، والحاكم، والبيهقي
أيجهل رجل القانون أنه عندما جاء ماعز بن مالك إلى نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم فقال: إني زنيت، فأعرض عنه، ثم قال: إني قد زنيت، فأعرض عنه، ثم قال: إني زنيت، فأعرض عنه، ثم قال: قد زنيت، فأعرض عنه، حتى أقر أربع مرات، فأمر به أن يرجم، فلما أصابته الحجارة أدبر يشتدُ، فلقيه رجل بيده لحيُ جمل، فضربه فصرعه، فذُكر للنبي صلى الله عليه وسلم فراره حين مسته الحجارة، فقال: فهلا تركتموه. رواه أبو هُريرة وصححه الألباني. هل أسرع نبي الرحمة والهدى إلى مبادرته بتنفيذ الحد ؟ّ! ألم يمكنه أربع مرات ليرجع ؟
لقد صار تعامل الناس مع بعضهم البعض فظاً أجوف غليظاً، ولا يوجد في كثير من الأحيان أخلاق إسلامية في التعامل، فحقوق الناس وأعراضهم هينة، والنظرة للمخطيء والمذنب متطرفة بقسوة حتى أصبح الواحد همه في حاله وماله وشأنه، لا يهمه مشاعر الآخرون إطلاقاً.
أخيرا .. اللهم إننا نسألك الستر والعافية لنا ولكل مسلم في الدنيا والآخرة.
معاذ محمد