«ستون دقيقة»… ومحمد بن سلمان
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
«إن امتلكت إيران القنبلة النووية فسنفعل الشيء ذاته»، و«خامنئي هو هتلر الجديد»، و«إيران ليست منافسة للسعودية، وبعيدة عن أن تكون مساوية لها»، و«جيشها ليس من بين الجيوش الخمسة الأوائل في العالم الإسلامي، كما أن الاقتصاد السعودي أكبر من الاقتصاد الإيراني».. هذه تصريحاتٌ مباشرة أطلقها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في لقاء مع شبكة «سي بي إس» الإعلامية الأميركية في برنامجها الأشهر «ستون دقيقة» الذي سيبث قبل يومين من زيارته التاريخية المرتقبة للولايات المتحدة ولقائه الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
هذا الأمير الشاب والقائد الملهم أصبح حديث العالم ومركز تفكير قادته الذين التقاهم أو تعامل معهم، والذين باتوا يعرفون جيداً أنه دائماً ما يقرن القول بالفعل، فتصريحاته قراراتٌ، ورؤيته مشروعات، ولئن وصفه موقع «سي بي إس» بأنه «أحد أقوى الزعماء في الشرق الأوسط» فإن ما لا يعرفه كثير من المراقبين أن ذلك قد حدث وهو لم يكد يبدأ بعد في تنفيذ خططه الطموحة في جميع الملفات السياسية والاقتصادية وغيرها.
يصل ولي العهد إلى واشنطن ممثلاً للسعودية بكل ثقلها السياسي والاقتصادي والعربي والإسلامي، وممثلاً لغالب دول الخليج والدول العربية والإسلامية، وهو يقود بنفسه تحالفين عسكريين فاعلين؛ تحالف دعم الشرعية في اليمن، والتحالف الإسلامي، وقواته العسكرية بوصفه وزير الدفاع في أقوى حليف مع أميركا في التحالف الدولي الذي قضى على وجود تنظيم داعش في سوريا والعراق.
كما يصل إلى واشنطن وهو يقود إصلاحات ضخمة في بلاده، في جميع الملفات، من محاربة التطرف والإرهاب، إلى القضاء المبرم على الفساد، إلى تمكين المرأة، إلى صناعة المستقبل وحياكة الغد المتقنة، ورجاله ووزراؤه ومسؤولوه يحرثون البلاد طولاً وعرضاً ويجوبون الديار شرقاً وغرباً، ولا يحد طموحهم إلا السماء كما صرح بنفسه ذات مرة، ويعلم الجميع حول العالم اليوم ما هو قادرٌ على فعله.
ليس في هذا الحديث أي نوع من أنواع المديح المبالغ فيه أو التزلف المصطنع، إنها فقط حقائق يعرفها الباحث المجدّ والمتابع المختص، وهو ما قد يأخذ من بعض المؤسسات الإعلامية والبحثية وبخاصة في الغرب وأميركا فترة طويلة لاستيعابه بحكم سرعة ولي العهد الفائقة في الإنجاز المتزامن على جميع المستويات، داخلياً وإقليمياً ودولياً.
لا مكان للصدفة أو الارتجال، زار ولي العهد مصر أكبر حليف عربي سياسياً واقتصادياً، مع خطة كاملة لما يخدم مصالح بلاده وينقلها لمستقبل أفضل، وزار بريطانيا أكبر حليف أوروبي، وتم في الزيارتين توقيع كثير من الاتفاقيات الكبرى، وهو ما سيحدث في زيارته لأميركا، وهو يزور أميركا بعدما بنى علاقات وطيدة مع الرئيس الأميركي ترمب وكان أول مسؤول عربي أو مسلم يلتقيه بعد انتخابه، وأقنعه آنذاك بأن تكون أول زيارة تاريخية خارجية لرئيس أميركي بعد انتخابه إلى الرياض، في سابقة تاريخية لن تنسى، كما أنه يصل إلى هناك والبيت الأبيض يعيش توافقاً كبيراً مع وزارة الخارجية بعد تعيين مايك بومبيو رئيس وكالة السي آي إيه وزيراً للخارجية وإقالة ريكس تيلرسون.
تبنى ولي العهد فكرة كبيرة خارج الصندوق في رؤيته لتحويل اقتصاد بلاده من اقتصاد ريعي يعتمد على النفط إلى اقتصاد منتج يستقطب الاستثمارات الدولية ويكون محط أنظار العالم بإعلانه عن تخصيص جزء من درة التاج الاستثماري السعودي «شركة أرامكو» وهو ما جعل كثيراً من قادة الدول الكبرى في العالم يخطبون وده ويسعون لتطوير علاقاتهم معه ومع مصالح بلاده، وقد عبر الرئيس ترمب وغيره علناً عن رغبتهم في طرح ذلك الجزء عبر أسواق الأسهم لديهم.
الأزمة الأكبر في الشرق الأوسط هي المشروع الإيراني الكبير، وكما تحدث الأمير أعلاه، فإنه من قبل سعى بخطة محكمة لتقليص النفوذ الإيراني التوسعي، وحاصر إيران في كثير من مواقع نفوذها حول العالم، لا في الدول العربية التي تدخلت فيها بشكل مباشر فحسب بل في جميع مواقع النفوذ؛ في أفريقيا وفي آسيا الوسطى وفي غيرها من دول العالم، وقد سبق له التصريح بأن على إيران أن تتخلى عن طموحاتها التوسعية أو أنها ستجبر على العودة للاهتمام بشؤونها الداخلية وحقوق شعبها.
بمجرد بحث سريع يمكن لأي أميركي مهتم بالمنطقة أن يكتشف أن إيران ليست بأي حال من الأحوال نداً أو منافساً للسعودية، وما أكبر الفرق بين سعودية جامحة للمستقبل والتعاون الدولي ونظام إيراني يعيش صراعات طاحنة بين مراكز القوى فيه، من مؤسسة مرشد هرم مريض ينتمي للماضي ولأوهام التوسع والنفوذ إلى حرس ثوري مغامر فاسد إلى مؤسسة رئاسة تدعي الانتماء للإصلاح وليس بيدها شيءٌ سوى الدفاع عن أخطاء المؤسستين الأقوى منها، في وقت تشهد فيه إيران انتفاضات واحتجاجات شعبية يراقبها العالم بأسره، تتصاعد وتقوى.
يزور ولي العهد السعودي أميركا وكل مشروعات خصومه تفشل، لا قضاءً وقدراً، بل برؤيته وتخطيطه؛ المشروع الإيراني يفشل، والمشروع الأصولي التركي يفشل، والمشروع القطري الأصغر يفشل، والسعودية تدخل التاريخ كحصان رابح لتصنع المستقبل، وبلاده التي كانت تتهم بالإرهاب والتطرف تقود حملة دولية لمحاربة الإرهاب ونشر التسامح والتعايش والسلام.
لا تريد السعودية سلاحاً نووياً، ولكنها ستمتلكه إن امتلكته إيران، ولم تسع السعودية لحرب في اليمن، ولكنها دخلتها اضطراراً وتديرها باقتدار وتتجه بها بشكل واضح لنصر محقق، وهي تبني علاقات جديدة وفاعلة مع الدولة العراقية، ومع دولة لبنان، وهي أكبر داعم للقضية الفلسطينية وللشعب السوري ولاستقرار الدولة في الشرق الأوسط بأسره، في آسيا وأفريقيا، هذه هي سياسة ولي العهد بدعم كامل من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان. بن عبد العزيز
ولي العهد السعودي، يدير رؤيته ومستقبل بلاده وفق أعلى المعايير الدولية في جميع المجالات، السياسية والاقتصادية والعسكرية والمالية وغيرها، ويسبق وصوله لواشنطن بيان رئاسي لمجلس الأمن تجاه الملف اليمني يشيد بدور السعودية، والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي يؤيدان خططه الإصلاحية، والمؤسسات الإعلامية والإنسانية تشيد بقراراته ورؤيته.
لا ترغب السعودية في أي حرب باردة جديدة، لا في المنطقة ولا في العالم، ولكنها إن فرضت عليها فهي في كامل الاستعداد لحماية مصالحها وانتقاء حلفائها وصناعة مستقبلها بيدها.
أخيراً، يصل الأمير محمد لواشنطن وصول المنتصرين، ويدخل أميركا دخول الطامحين، منتصرٌ في الواقع حالمٌ بمستقبل كبير، وستبدأ من هنا مرحلة جديدة من تاريخ المنطقة والعالم.
عبدالله بن بجاد العتيبي
(الشرق الأوسط)