مالي وتاريخ السعودية المشرف
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
في مطلع الستينات القرن الماضي كان العالم على موعد مع استقلال وميلاد جمهورية أفريقية جديدة تدعى مالي.
لم تنتظر المملكة العربية السعودية كثيرا حتى أبرقت وباركت وهنأت على سلامة المولودة الجديدة، متمنية لها ولكل أطيافها وأعراقها بطول السلامة والمزيد من النماء والرخاء والاستقرار ثم اتبعت المملكة ذلك بتوقيع بروتوكولات التعاون والتمثيل الدبلوماسي والاقتصادي وغيرها بين البلدين، ذلك ومالي لا تزال في المهد صبية في عامها الأول، وما أن بلغت مالي عامها السادس حتى زارها الراحل العظيم الملك فيصل بن عبدالعزيز لكي يطمئن على حال وأوضاع هذه الفتاه الصغيرة..
سُر الملك فيصل كثيرا بتلك الزيارة وبما لقيه من صفاوة وكرم الضيافة على ما كان من قلة ذات اليد، فأمر رحمة الله عليه بأن يقدم لمالي كل ما يلزم حتى يشتد عودها وتستقيم بها أمور الحياة.
ومنذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا وحكام المملكة المتتابعون يقدمون في السر والعلن من العطاء والدعم لمالي الصديقة والعزيزة ما لا يحصيه بشكل دقيق إلا الله وحده..
فكم من طرقات عبّدت، وجسورٍ أوصلت، ومآذن بذكر الله رُفعت، وكم مراكز للصحة والتعليم أُنشئت، وكم من سدود أُقيمت، وكم من قروض أعطيت، وكم من منح وهبات وُزعت، وكم من آبار حفرت، وكم من العلماء والدعاة انتدبوا، وكم طواقم من الأطباء والمدرسين أُرسلت، وكم من جموع من الحجيج والزوار استقبلت..
كل ذلك وأكثر قدمته المملكة لعقود طويلة وتقدمه الآن وستقدمه دوما لمالي ولغيرها في شتى أصقاع الأرض لا لشيء سوى ابتغاء وجه الله وحده لا ترجو من أحد سواه جزاءً ولا شكورا.
وحتى حين عصفت بمالي رياح الانشقاق واشتدت عليها قبضات التمزق والانفصال لم تتخل المملكة عنها ولا عن غيرها، بل حرصت على أن تكون على مسافة واحدة متقاربة مع الجميع، وعلى أن تكون الحلول السياسية المرضية لجميع الأطراف هي ما يجب اتباعه والأخذ به دون غيره بكل الأحوال، واستطاعت المملكة أن تنجح في غير مرة في حقن دماء المسلمين وأن تمنع عنهم أيادي العابثين.
ولا تستغرب أخي القارئ الكريم حين يطل عليك قزم مأجور متطاولا ً ومدعيا عبر قناة الجزيرة أو غيرها أو عبر موقع «التواطؤ» ً الاجتماعي بأن قطر قد قدمت لأزواد ولشعب مالي عموما في محنتهم الأخيرة وقبلها ما لم تقدمه المملكة، ومحاولة الترويج لذلك وتصويره على أنه حقيقة خالصة أمام البسطاء من المشاهدين والمتابعين.
وهنا يجب تذكير أولئك الذين يتمتعون بذاكرة سريعة النسيان أشبه ما تكون بذاكرة السمك بأن قطر هي المتسببة في التشرد والشتات وانعدام الأمن وتوقف عجلة التنمية والعودة بشمال مالي إلى الوراء أزمنة مديدة؛ عبر تمويل الإرهاب ودعمه تحت مسميات عدة وطرق مختلفة وأخرى ملتوية كالتستر خلف العمل الإنساني والخيري ودفع المئات من الملايين الدولارات لمختطفي الرهائن الغربيين مقابل الإفراج عن أولئك الرهائن، وهي طريقة مريحة انتهجتها قطر لتمويل الإرهاب دون أدنى حرج في أماكن عدة وأوقات مختلفة، وهو السيناريو المحتمل حيال الرهائن السبعة الغربيين الذين لا يزال مصيرهم مجهولا منذ عام تقريبا، الأمر الذي جعل من صحراء أزواد بيئة جاذبة وبؤرة مناسبة لتكاثر وتناسل الإرهابيين والمارقين والمتاجرين بالرهائن المستأمنين، وبالتالي طردوا وتهجر سكانه نحو الفيافي والحدود ودول الجوار.
وبعد كل ما سبق من فعائل قطر ومرتزقتها ضد أزواد وأهله والمنطقة عموما نجد من يحاول التطاول على تاريخ وعطاء المملكة لدولة مالي ولشعب أزواد ولشعب مالي عموما وجعل ذلك التاريخ الزاخر والمشرف موازيا لذلك الفتات الذي تنثره قطر على أطراف مخيمات اللاجئين المغلوبين على أمرهم.
شتان ما بين من يداه على الدوام تجودان بالخير والعطاء ومحاولة تخفيف البؤس عن البؤساء، وبين من يداه لم تعرفا يوما سوى الغدر والمكيدة والتسبب بسفك الدماء وتناثر الأشلاء.
عبدالرحمن عمر
عضو المجلس الانتقالي بأزواد سابق
(نقلاً عن عكاظ)