العوضي يروى قصة طوافه سباحةً حول الكعبة في سيول عام 1941 (صورة)
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
الرياض – متابعات:
تحتفظ الكتب التوثيقية بصور نادرة للسيول التي اجتاحت مكة المكرمة، وأغرقت الحرم المكي وغطته بالماء في 1941، حتى أصبحت صورة الطواف سباحة من أكثر الصور تأثيراً على مشاهديها، إلا أن بطل تلك الصورة التاريخية طفل يخترق المياه سباحة محاولاً الوصول للكعبة، كان في ذلك الوقت لم يتجاوز الـ 12 من عمره، إلا أنه ومع بلوغه منتصف العقد الثامن، لا يزال يحتفظ بكل تفاصيل تلك الذكرى التي وصفها بـ«المباركة».
وبحسب صحيفة “الحياة” ، لا يزال الحاج علي العوضي يشعر بذات الشعور في كل مرة وقعت عيناه على صورة السيول التي تحيط بالكعبة، ولا يزال يشتم رائحة الزبد المنبعث من أطراف الحرم، ولا يمنع دموعه من أن تتدحرج على خديه المتجعدين، رغم مرور كل هذه الأعوام، جاء من خلف مكتبه في مملكة البحرين، ليسرد لنا قصة الصورة الأشهر في تاريخ مكة الحديث.
يحتفظ الحاج العوضي بابتسامة ذلك الطفل الذي يتوسط المياه سباحة إلى الكعبة، ووصول الصورة إلى يديه تعد حكاية أخرى لا تقل إثارة عن قصة الحدث الأبرز وهي السيول، يقول «كان عمري وقتها 12 عاماً، وكان والدي أرسلني أنا وأخي إلى مكة للدراسة في المرحلة الثانوية، وكان الجو في أحد الأيام عاصفاً، والأمطار الغزيرة لا تتوقف، واستمرت لأسبوع متواصل، والكل تحدث عن سيول جارفة».
ويضيف وفقا لما جاء في صحيفة الحياة «خرجنا أنا والمرحوم أخي محمد جنيف، وبعض الزملاء إلى الحرم المكي بعد أن سمعنا بأن المياه تغطيه، وذهلنا حين وصلنا ووجدنا المياه تغطي الحجر الأسود، وكان مشهداً مهيباً لا نكاد نرى الأرض من كمية المياه، والرغوة تمنعني من الوقوف وهذا ما اضطرني للسباحة، إلى أن وصلت إلى الكعبة المشرفة».
لم يكن الحاج العوضي البطل الوحيد لقصة هذه الصورة، والتي تُظهر شخصين تخط رجلاهما في الماء بعد أن أسندا ظهريهما إلى باب الكعبة، يقول «هذان الشخصان هما أخي محمد جنيف، وصديقه إسماعيل ثابت، وهذا دليل على صدق ما أقول لأن هناك مشككين بروايتي، وحين أسرد عليهم التفاصيل الدقيقة، يبدأ الشك يتبدد من أذهانهم ويبدأ سيل الأسئلة».
لم يكن العوضي يعلم بوجود كاميرا أوقفت الحياة في تلك اللحظة، ولم يكتشف وجودها إلا قبل 23 عاماً، حين قرر ابنه عبد المجيد وزوجته التوجه للحج، يقول «كنت أتحدث مع عائلتي وأصدقائي عن معاناتنا في ذلك الوقت، وكانوا يشكون من كمية المياه التي وصفتها لهم، وأنها تراوح بين خمسة و ستة أقدام، حتى وقعت عينا ولدي على هذه الصورة ولم يكن يعلم أن الطفل الذي يسبح فيها هو أنا، وأن أحد الشخصين الجالسين على باب الكعبة هو عمه».
ويوضح «أحضر ولدي معه نسخة من تلك الصورة ليؤكد ما قد حدّثتهم عنه من سيول، ووجد فيها جميع التفاصيل التي سردتها له من قبل، وعثر عليها داخل كتاب توثيقي عن مكة المكرمة، فشك أن الطفل الذي يسبح هو أنا وأراد أن يتأكد».
بكى الحاج العوضي قبل أن يطبع قبلة كبيرة على الصورة التي أرجعته لعقود من الزمن، ويقول «في البداية ذهلت وبكيت بعد أن أكرمني الله بهذه الذكرى الرائعة»، وعن ملتقط الصورة يقول «لم أعرفه وأصلاً لم أكن أدري بأن هناك كاميرا كانت تصور هذه الأحداث، وفي تلك اللحظة كنت أنظر إلى الشرطي الذي كان يحاول منعي من السباحة، حتى إنني قلت له إن الشخصين الجالسين على باب الكعبة لا يجيدان السباحة ويحتاجان للمساعدة» (قالها ضاحكاً).
كان الشرطي يحمل بندقية لا تحوي طلقات نارية، وعلى رغم أن الحاج العوضي يعلم مسبقاً بذلك، إلا أن الخوف تسلل إلى قلبه في تلك اللحظة، ويؤكد «على رغم سعادتي الغامرة بإتمامي الطواف سباحة، إلا إنني لا أنسى أدق تفاصيل ذلك اليوم التاريخي، ومن حسن حظنا أننا نحن في البحرين نعد سباحين ماهرين وهذا ما ساعدنا على الطواف بهذه الطريقة، لكن أحد المرافقين لنا وهو أستاذنا عبدالرؤوف من تونس لا يجيد السباحة».
نزل الجميع في المياه، وفوجؤوا برجل أمن يمنعهم من الاستمرار ويطلب منا الخروج حالاً، وحاول الجميع ثنيه عن قرار منعهم، وحجته في ذلك أنه خائف من أن يتعرض جزء من الحجر الأسود للسرقة بعد أن غمرته المياه، «لكنني أتممت الطواف سباحة وهذا إنجاز لا يمكن وصفه» بحسب الحاج العوضي.
تمثل الصورة التاريخية بالنسبة للحاج العوضي إرثاً عائلياً مهماً، أدخلته عالم الشهرة وأصبح معروفاً ومرتبطاً بسيول مكة، ويحب الكثيرون سماع قصته كلما التقوا به، لينقلهم إلى تلك الحقبة بمخيلة طفل لم يتجاوز الـ 12 من عمره، إلا أن رائحة المكان وبرودة الماء وعمقه، والأجواء المتوترة لا تزال تمر أمام عينيه وكأنها تحدث الآن.