الدخيل يكشف عن تفاصيل زيارة سرية لأمير قطر السابق إلى السعودية عام 2013
كشف الكاتب بصحيغة الحياة خالد الدخيل عنتفاصيل زيارة سرية قام بها أمير قطر السابق حمد بن خليفة إلى السعودية عام 2013 ، منوها إلى أن هذه الزيارة شهدت تقديمه اعتذرا إلى الملك عبدالله بن عبدالعزيز على ما بدر منه بحق المملكة خلال مكالمة مسربة له مع الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي.
وقال الدخيل فى مقال له اليوم بعنوان (ظاهرة الدور القطري) :” إن من حق السعودية أن تعبر عن امتعاضها من الدور الذي اختارت الدوحة أن تمارسه إقليمياً. وهو امتعاض لا يعبّر عن اعتراض على الدور ذاته، وإنما على وجهته واستهدافه السعودية والمنظومة التي تمثلها في المنطقة. كانت ولا تزال هذه الرؤية هي السائدة في السعودية منذ أيام أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني. ثم كانت المفاجأة الصاعقة عندما خرجت إلى العلن تسجيلات للشيخ نفسه مع العقيد معمر القذافي وهو يتحدث فيها بالتفصيل عن جهود حكومته لتهيئة الظروف للإطاحة بالنظام السعودي. يبدو أن انكشاف هذه التسجيلات كان من بين العوامل، وربما العامل الأساسي لتنازل الشيخ حمد عن الحكم لابنه وولي عهده الشيخ تميم عام 2013. حينها شاعت أجواء من التفاؤل في سماء العلاقات بين البلدين. لكن لم تمضِ سنة على ذلك حتى انفجرت قضية سحب سفراء السعودية والإمارات والبحرين من الدوحة. نجحت جهود الوساطة بإعادة السفراء. ثم وصلت الأزمة الآن إلى ذروة غير مسبوقة، وتبدو مرشحة لذروة، وربما ذرى أخرى”.
وأضاف :”السؤال: لماذا انفجرت الأزمة القطرية من جديد وبدرجة أكثر حدة وخطورة عما كانت عليه من قبل؟ سؤال آخر: لماذا ظهرت هذه الأزمة من أصلها؟ بالنسبة للسؤال الأول من الواضح من بيانات الطرفين أن قطر لم تعالج في شكل جاد وجذري شكاوى الدول الثلاث من سياساتها. فإذا كانت بيانات الدول الثلاث تعدد اتهاماتها للدوحة، فإن بيانات الأخيرة وإعلامها لا تقدم تفنيداً واضحاً ومسنوداً بالقرائن والأدلة لتلك الاتهامات، وإنما تغرق في التبرير والسجال الذي لا ينتهي إلى شيء واضح وملموس. الأسوأ أن الرياض شعرت بأن قطر لم تقدر التنازل السعودي الكبير بعد تسريب تسجيلات الشيخ حمد. وكانت مصادر قطرية مقربة ذكرت أن الشيخ حمد بن خليفة، وبعد تسرب هذه التسجيلات ذهب في زيارة غير معلنة إلى الرياض وقدم اعتذاره شخصياً للراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز. لا نعرف ماذا حصل بعد ذلك، لكن بدا واضحاً أن السعودية كانت مستعدة تماماً لتجاوز موضوع التسجيلات، والانتقال إلى ما بعده. وهذا تنازل كبير بكل المقاييس. إذ إن الرياض لم تعلن أي موقف حيال هذا الموضوع، ولم تقبل آنذاك بتحويله إلى موضوع إعلامي مثير. على العكس، استقبلت الأمير السابق وقبلت اعتذاره، وهنأت الأمير الجديد، وكأن شيئاً لم يكن”.
ومضى الدخيل يقول:”في هذا السياق، وكما أشرت، الأرجح أن تنازل الأمير الوالد لابنه الشيخ تميم كان على علاقة بالتسريبات. ومن الطبيعي أن تنتظر الرياض في هذه الحال أن تختلف السياسة القطرية مع الأمير الجديد عما كانت عليه مع الأمير السابق. لكن هذا لم يحدث وفق الرياض وبقية العواصم التي شاركتها قطع العلاقة مع الدوحة. حدة الموقف السعودي الأخير، ومعه مواقف الدول الأخرى، كما تمثل خصوصاً في إغلاق الحدود البرية والبحرية والجوية، تعكس مدى خيبة الأمل، وشعوراً دفيناً بأن الدوحة لا تزال متمسكة بسياساتها القديمة، بما في ذلك ما جاء في التسجيلات، وأن التنازل للأمير الجديد لم يكن إلا إجراء شكلياً لتفادي تداعيات التسجيلات، وأن الأمير الوالد لا يزال حاضراً في رسم السياسة الخارجية القطرية بكل تحالفاتها وأهدافها التي كانت عليها قبل التنازل. في ضوء ذلك ليس مستبعداً أن الرياض الآن لا تنتظر أقل من تغير جذري في توجهات السياسة الخارجية، وخروج الشيخ حمد بن خليفة تماماً من دائرة صناعة القرار في شأن هذه السياسة. لا نعرف شيئاً عن مطالب الرياض، لكن ليس من المستبعد أيضاً أن تطالب الرياض بخروج الشيخ حمد من قطر لضمان غياب تأثيره”.
وأردف:”إذا كانت هذه المعطيات صحيحة، وتبدو كذلك، فإن المصدر الأساسي للأزمة مع قطر يكاد ينحصر في شخصية الشيخ حمد بقناعاته، وطموحاته، وتحديداً في مواقفه تجاه السعودية في شكل خاص. إذ يبدو الآن، خصوصاً بعد تسرب التسجيلات، أن السياسة الخارجية القطرية التي رسمها كانت من الطموح أن من أبرز أهدافها الإطاحة بالنظام السعودي، وإيصال جماعة الإخوان المسلمين للحكم في مصر، والتحالف مع ما يعرف بفريق «الممانعة» خصوصاً سورية الأسد وإيران. المربك في الموضوع أن قطر كانت تحتفظ في الوقت نفسه بتحالفها مع واشنطن، وتعمل على توسيع هذا التحالف مع تركيا، وإقامة قناة علاقة مع إسرائيل. كل ذلك كان يتم بمعزل عن مجلس التعاون، ما يكشف مأساة هذا المجلس وغياب حضوره أو تأثيره في خيارات السياسة الخارجية لأعضائه”.
وتابع:”هنا نصل للسؤال الثاني: فإذا كانت قطر تحت إمرة الشيخ حمد اختارت لها دوراً إقليمياً يتجاوز حجمها وإمكاناتها، فكيف تمكنت من تحقيق ذلك وممارسته على الأرض داخل مجلس التعاون، والجامعة العربية؟ لا تكفي الإحالة هنا إلى الإمكانات المالية الكبيرة لقطر كإجابة عن السؤال. فالحقيقة أن تبني دولة صغيرة الحجم جغرافياً وديموغرافياً دوراً يتجاوز ذلك بكثير هو ظاهرة تعكس ضعف النظام الإقليمي الذي تنتمي إليه، بما في ذلك الدول الكبيرة التي تشكل العمود الفقري لهذا الإقليم. وهذا يتضح في تمكن دولة صغيرة من تجاوز الدول الكبيرة في فرض خياراتها أحياناً ومبادراتها، ووساطاتها حتى بين الدول الكبيرة. وصل الدور القطري إلى ذروته الأولى في ما عرف عام 2008 باتفاق الدوحة بين الأفرقاء اللبنانيين بعد اجتياح قوات «حزب الله» بيروت والجبل آنذاك، وبروز شبح عودة الحرب الأهلية. كان النظام السوري هو الذي فرض الدور القطري بهدف اختراق مجلس التعاون، وإدخال الدوحة كلاعب حليف لدمشق في الساحة اللبنانية، وإضعاف الدور السعودي هناك. طبعاً لم يتحقق هذا الهدف. استمر الدور القطري على هذا النحو في اليمن بين الحوثيين وعلي عبدالله صالح، وفي السودان، وأفغانستان. بعد الربيع العربي انقطعت علاقة قطر مع الأسد والقذافي لأسباب ليس هنا مجال التفصيل فيها. كان المتوقع في هذه الحال أن تقترب قطر أكثر من السعودية، لكن هذا لم يحدث إلا في شكل محدود في اليمن. في سورية تنافست مع السعودية. وفي ليبيا تنافست مع الإمارات. وفي مصر دعمت حكم «الإخوان»، ووقفت ضد الانقلاب هناك للهدف نفسه. ثم انتهت مسيرة الدور القطري بالأزمة الأخيرة التي يبدو أنها أخطر ما واجهه هذا الدور حتى الآن”.
واختتم الدخيل مقاله بالتأكيد على ” أن وضع حد لظاهرة الدور القطري أمر مشروع، بل واجب لحفظ التوازنات داخل الإقليم، ومع القوى التي تقع خارج الإقليم. لكن لا يمكن تحقيق ذلك من دون إصلاح الخلل في النظام الإقليمي الذي هو السبب الأول وراء بروز هذه الظاهرة. لا يكفي أن تهجو الدور القطري، أو الليبي، أو التدخلات الأجنبية والميليشيات المصاحبة لها. يجب القضاء على الأسباب التي أدت إلى ذلك. وهذا ليس ممكناً من دون أن تستعيد الدول الكبيرة دورها الطبيعي على المستوى العربي، وداخل مجلس التعاون على المستوى الخليجي. غياب أو ضعف الدول الكبيرة خلق الفراغات التي تسربت من خلالها الأدوار المضرة، والتدخلات الأجنبية، والميليشيات التي تتجرأ على منافسة الدول”.