حمى الساحرات
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
كان البابا أونز يونز هو أول من وظف محاكم التفتيش 1525 بصورة رسمية في ملاحقة الساحرات، حيث كانت تتم محاكمة وحرق الساحرات في الساحات والأماكن العامة، بعد محاكمة بشروط معينة تضمن سلامة الهيئة القضائية، فتقف المتهمة وظهرها لهم خشية أن تسحرهم بنظراتها أو تمسهم بيدها، هذا بعد أن يتم الوصول للاعترافات عبر الجلوس على كرسي المسامير أو الخازوق أو التغريق.
وقبل هذا بمئة عام كانت جان دارك فلاحة فرنسية صغيرة أبدت شجاعة منقطعة النظير في قيادة جيوش فرنسا وفي الدفاع عنها ضد الإنجليز، وبما أن انتصاراتها كانت تعتمد على أحلام ورؤى تعبرها وتمكنها من النصر في المعارك، فإنها اتهمت بالسحر والهرطقة، وأحرقت عام 1429 هذا قبل أن تمنحها الكنيسة الكاثولكية 1920 مرتبة قديسة.
وقد تحولت مطاردة الساحرات إلى جنون حقيقي اجتاح أوروبا ما بين القرنين الخامس عشر والسابع عشر، مطاردات تحظى بمباركة شعبية لأنهم يرجعون للساحرات العواصف المدمرة، وموت الرضع، وجدب الحقول، وأهلك خلال حمى الساحرات ألوف الأشخاص، جلهن من النساء حرقا وشنقا لو ظهر أدنى شك بممارستهن السحر، فقد أعدم قسيس فرنسي اسمه هنري بوغيه راهبة بتهمة اعوجاج في الصليب الذي تحمله.
وكانوا جميعهم يرجعون لكتاب مطرقة الساحرات الذي ألفه الراهبان الألمان هايرنش وجاكوب، الذي يمثل أهم مرجعية لمطاردي الساحرات، حيث يوضح الكتاب أن المسيحيين لديهم التزام (عقائدي – كنسي) بمطاردة الساحرات وقتلهم بناء على نص جاء في العهد القديم (لا تدعوا ساحرة تعيش)، ثم تفصل بقية أجزاء الكتاب عن السمات الخاصة بالساحرات والتي تكون في الغالب أنثى تعيش مستوحشة في الغابات، وترافق الشيطان الذي يصوره الكتاب على شكل ثور شرير بقرون.
ويشير المفكر فراس سواح نقلا عن الأنثربولوجي جو فريزر صاحب المؤلف الشهير الغصن الذهبي، بأن المواجهة الشديدة بين الكنيسة والساحرات، هي مواجهة تطهيرية، تتبع فيها الكنيسة (البطريركية) الذكورية بقايا الحضارات الأنثوية في الثقافة بهدف شيطنتها، ومن ثم القضاء عليها.
حيث تشير كل الموتيفات التي تعبر عن الساحرات إلى شظايا ديانات الخصب والآلهة الأنثى، التي كانت منتشرة في أوروبا قبل المسيحية، والساحرة التي تقطن الغابة، أنثى وحيدة نائية غامضة، تصادق الشيطان، الذي تظهره مؤلفات محاكم التفتيش على شكل ثور كرمز واضح للحضارات الزراعية.
نزال العقل مع الخرافة قديم ومحتدم ولم يحسم أمره بعد، وصدمتنا في حادثة حي الرائد، نتجت عن كون التهمة والمحاكمة والعقاب جميعها تمت في الموقع نفسه، وسط جيشان جمعي مستلب عاجز عن استحضار أدوات العقل والمنطق، وتسكينها في موضعها الصحيح، تيار عارم يحظى بأمومة المحاضن الشعبية المغرقة بغياب الوعي.
(أميمة الخميس – الرياض)