ديوان “الزهايمر”.. عن الأمومة والشيخوخة والطفولتين
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
بيروت ـ رويترز :
مجموعة الشاعرة السورية هنادي زرقة والتي حملت عنوان “الزهايمر” تفيض حبا وأسى إذ تتحدث عن الأمومة والبنوة والشيخوخة والطفولتين الأولى المعروفة والثانية ابنة المرض والتقدم في العمر.
والزهايمر مرض حمل اسم طبيب الاعصاب الألماني الويز الزهايمر (1864- 1915). وهو داء عصبي اعطي هذا الاسم سنة 1912 ويتميز بفقد متدرج للذاكرة وللقدرات العقلية. انه غيبوبة عن عالم الواقع اذ يصبح المصاب به أقرب إلى موت الادراك والعقل.
وقد تكون هذه المجموعة الشعرية المجموعة العربية الأولى والوحيدة أو واحدة بين مجموعات نادرة تحدثت عن هذا المرض الذي انتشر في العصر الحديث.
اشتملت المجموعة على 18 قصيدة من نوع قصائد النثر اتسمت بطابعها التصويري الحزين ووردت في 86 صفحة متوسطة القطع. صدر الكتاب عن دار نلسن للنشر في السويد – لبنان.
مقدمة الشاعرة لمجموعتها جاءت تعبر باختصار وحزن عميق هادىء عن حال من يصاب بهذا المرض إجمالا وأيضا عن حال أهله ومحبيه المحيطين به.
قالت الشاعرة مصورة وضع هؤلاء المرضى أو ما يتراءى لنا انه وضعهم “أحسد مرضى/ الزهايمر/ لا فرح/ لا حزن/ لا ألم/ يعيشون طفولتهم مرتين/ ولا شيء يقلقهم.”
القصيدة الأولى في مجموعة هنادي زرقة حملت عنوان (سأعتاد غيابك) تدخلنا في عالم الزهايمر هذا. إنها كما يبدو قصة ابنة تستفيق على غياب أمها عقلا ووعيا بسبب هذا المرض وتظهر لنا عالمها الذي تغير كليا نتيجة إصابتها به.
تقول في القصيدة الطويلة “سأعتاد غيابك منذ الآن/ أرتب سريري كل صباح/ أستعيض عن صوتك بمنبه الهاتف الخلوي/ واعترف لنفسي/ أنني أجيد كل شيء/ بدءا من تعبئة مرطبانات الشاي والقهوة/ وانتهاء بزجاجات الماء في الثلاجة.
“سأعترف/ أنني سأراقب السرير/ وأتجاهلك متعمدة/ لن يوقظني سعالك في الليل/ ولا حتى خوفك أن أتأخر على العمل/ سأراقب موتك وهو يقذفني ككرة الروليت/ دون باب ألج منه.”
تضيف متحدثة عن تلك اللحظات القصيرة من الانتباه الذي ينتاب المريض بهذا المرض قبل أن تعود يد النسيان والغيبوبة لتختطفه من جديد “إزاء نظراتك التائهة/ التي تستقرىء المكان/ كلما استيقظت وأمسكت يدي/ وطلبت مني أن أمضي معك/ إلى أماكن لا أعرفها.”
وبما يذكر بالمثل الانجليزي القائل إن الأشياء الصغيرة تعني الكثير. والأشياء الصغيرة هنا تعبر عن الزوال وشيء من محو وجود الأحبة في الذاكرة. تقول الشاعرة “في القهوة كنت تحبين الهال/ وكنت أكرهه/ ولذا فأنا مضطرة الآن/ أن ألغي مرطبان القهوة بالهال/ وأرمي القطع الباقية من فساتينك/ في أول حريق.
“سأنزع يدي بقوة من يدك/ وأخبط الباب بعنف/ وأنظر إلى البيت كما لو كان خاليا/ وأعود إليه بالضجر نفسه/ كما لو كان خاليا/ سأعد الشاي لشخص واحد/ وأدخن في كل الغرف/ أنشر ثيابي على الأسرة.
“هكذا سأتأخر ما شئت/ وأشرب النبيذ ما شئت/ أحب من شئت/ ولن يقلقني غيابي عن المنزل/ إذ لا أحد ينتظرني/ سأعتاد غيابك/ أترين أية قسوة تعمدتها/ حين قر قرارك على الغياب.”
في قصيدة (كأنني حقيبة رثة) صور عابقة بالحزن وبوجوه كئيبة للرحيل وللشعور بالوحدة في عالم تغير بسبب غياب الأحبة. صور متحركة موحية بحزن يشبه جفاف الدمع في العيون.
تقول هنادي زرقة “انتقل خفي انتظار/ وأجلس على العتبة/ أراقب سفر الحقائب/ كأنني حقيبة رثة نسيها عابر/ في محطة/ يركلها المسافرون/ ولا يلتفت إليها قطار… أشرد/ سيكون هذا آخر شتاء/ بعدها لن تصابي بالزكام/ سيبلل المطر الغسيل على الحبل/ ويتأخر المساء في الحلول/ سيكون هذا آخر شتاء/ بعدها سيبلليني المطر على العتبة/ وأصاب بالزكام.
“اخرجي/ مرة/ مرة واحدة/ من أقلامي/ من دفاتري/ من كتاباتي/ أخرجي/ ودعيني/ فراشة/ تغزل موتها الفريد.”
في قصيدة (ساعة معطلة) صور رمزية للشعور بعدم الجدوى. تقول “صورة جيفارا التي الصقتها على الساعة المعطلة/ كتاب ماركس/ على رف من رفوف المطبخ/ ومقالات كثيرة/ عن عمر الخيام ولوركا../ أشياء مبعثرة/ حبوب المهدىء في حقيبة يدك/ وحدها زهرة بخور مريم/ التي نبتت على سور المنزل/ كانت لا تكف عن السؤال: ما الجدوى؟/ ما الجدوى من ذلك كله؟!”
“أمك/ تقترب شبرا شبرا منك/ يدفعها خوفها إلى ما تحت البلاط/ تقبعين في السرير/ ترتبين أوراقك البالية/ تحاولين التقاط قصيدة/ أي قصيدة!/ ما الجدوى!/ ما الجدوى من ذلك كله؟!/ جيفارا/ ماركس/ عمر الخيام/ لوركا/ وبعض مفردات حفظتها دون قصد/ وبعثرتها بين قصائدك/ لتكتشفي/ أن العالم قد غافلك.”
في مجموعة هنادي زرقة تجربة إنسانية حقيقية مفجعة وقد عبرت عنها الشاعرة بتجربة نفسية عميقة وبإيحاء وعمق محزنين في وصف الوضع البشري. في قراءة المجموعة المتميزة متعة حزينة وألم.