امنعوا زيارات «الوزراء» المفاجئة..!
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
لستُ حفيّاً بزياراتٍ تأتي «فجأةً» لِتكتَشفَ (المُكتَشَف) وتعلَم (المعلوم) وتَتَبيّنَ (المُتَبيّن) وما تلبث حتى تكونَ (حكايةً) تنزلِقُ على طرفِ كلّ لسانٍ ذربٍ يُزوّقها ببديعٍ من زور القول!! أو تستحيل تلك الحكاية صورةً متحرّكةً على كلّ جهازٍ كفيّ محمول ننسى معها ما كان يفعله الفاروق عمر!!.. وأستطيع القول: أنّه – عقب هذه الزيارة الصاخبة – ما من شيءٍ قد تغيّر غير «بطولةٍ» سُجّلت باسم معاليه تُبقيه (أسطورةً) إلى أجلٍ معلوم وتمنحه تالياً لقب الـ «غازي»!
ذلك أنّ يده الكريمة قد (اخشوشنت) هذه المرة فطالت أُذنَ مسؤولٍ يتبعُ وزارتَه فتارةً يُكتفى بـ «مصع» تلك الأذن «الناعمة» من بعْدِ عركٍ يسيرٍ يأتي بسياقٍ من لفت نظرٍ وقتيٍّ أثبتت «التجارب» أنها لا تؤتي ثمارَها على النحو المرجو!! وتارةً أخرى يقوى قلبُ معاليه فيُقيلُ (ردي الحظ) ليكونَ عبرةً لكلّ الذين لم يتهيأوا لمثل هذه الزيارات التي لا تُكلّف تأهباً في الاستعداد لها غير (شوية رماد) يُمكن أن (يذر) على عين معاليه حفظها الله تعالى من قصر النظر!
ومن الزيارةِ ما ينالُك نفعُهُ
ومن الزيارةٍ ما يضرُّ ويُؤلِمُ
إن الزيارات المفاجئة تستبطنُ معنىً آخر غير الذي يتداوله الناس فيما بينهم بطريقةٍ تشي بأنّنا لم نتغيّر بعْدُ منذُ ذلك الزمن الذي كان فيها الرمز «غازي القصيبي» نجماً تستضيء به الصحافة.. وحتى انطفاءُ تلألُئِها زمن «المانع» حمد!
على أيّ حالٍ.. فإنّ هذا (المعنى الآخر) الذي لم يُتفوّه به للتّو هو المعنى – فيما أحسب – الذي كانَ يجبُ أن يُقال بصريح العبارةِ من ذي قبل عسى مَن يتبوأ منصباً وزارياً أن يدرأ به «فساداً» بات – كما الدريل – ينخرُ في مرافقنا الحكوميّة حتى ألِفناه فصار مَن لم «يُفسد» بطريقةٍ أو بأخرى هو (الاستثناء)!!
سأُجمِلُ (المعنى الآخر) الذي تستبطنه هذه الزيارات المفاجئة بما يلي:
إنّ الذي حدا بالوزير – أيّ وزيرٍ – إلى فجائيّة الزيارات (الدراماتيكية) لا يُمكنُ أن يخرج عن هذه الأسباب:
* الفروع التي بعُدت عن عين معاليه لم يكن عليها مسؤولٌ (مؤتمن) يكونُ من شأنه أن يظلّ «عيناً» أمينةً لمعاليه فيكفيه مؤنة الزيارات المفاجئة بنقل «الحقيقة» كما هي وليس نقلاً «مُزيّفاً» يُغيّب الحقيقة ما يضطر معاليه ألاَّ يثِقَ إلا بـ»عينه» ما جعلنا نجزم بأنّ «الوزير» وحده الذي يُبصر بينما «البقية عِميانٌ» بلا عِصي!!
وبمعنى أوضح يسعني القول: إنّ الأمر – في تلك الفروع – قد وِسدَ لغير أهله فليس ثمّة إلا «الرهط» الذين يفسدون ولايَصلَحون ولا يُصلِحون.
* غياب – فاحشٌ – للمفتشين ولئن كان ثمة حضورٌ (وظيفيٌّ) الظفر فيه لغنيمة الانتداب» فإنه لا يعدو أن يكون حضوراً وظيفيّاً بذات الطريقة (الروتينيّة) فتعامل مع فريقها بما يتّفق وما هم عليه من (سِعة الذّمة)!! فكانوا عوناً له في التواطؤ على مبتغاه.
* عجزٌ فاضح في قدرة «الوزارات» على صناعة قياداتٍ تعي ما هي «المواطنة» وأيّ شيءٍ هو «حب الوطن»! وبرهان ذلك أنّ منظومة «الخلل» الذي ما برح يستشري في «فروع الوزارات» سببه يعودُ – بداهةً – لا إلى عدم الكفاءة بمن تمّ اختياره لإدارة هذا الفرع أو تلك المنشأة التابعة لهذه الوزارة أو تلك وإنما هو الافتقار البيّن إلى الشعور بعظم ما حُمّل من «أمانة» في سبيل خدمة الوطن والمواطن.
* ألم يكن الأولى من هذه «الزيارات المفاجئة» أن يتفطّن معاليه إلى إعادة النظر في معايير اختيار من يوليهم شأن إدارة تلك «المنشآت أو الفروع» على النحو الذي تؤدى فيه «الأمانة» ابتغاء الحفاظ على مكتسبات «الوطن» من جانبٍ ومن جانبٍ آخر السعي إلى تحقيق ما أنيط به من خدمة المواطن الذي من أجله أُقعد على هذا «الكرسي»!.
* ما يعني أنّ «المحسوبيّة» في شأن التعيين لهذا أو لذاك هي «الجرثومة» التي يجب القضاء عليها إذا ما رغبنا أن (نريح) معاليه من تكرار زياراته المفاجئة!
هوامش:
* في الغرب الذي نصمه بـ «الكفر، وهم كذلك» ليست الزيارات المفاجئة أسلوباً يعمد إليه الوزراء في معرفة «الحقيقة»!
* في زمن وسائل التواصل الاجتماعي وانفجارها في عالم الصورة والصوت ليس «معاليه» بحاجةٍ إلى تكريس زياراته ذلك أنّ تلك الوسائل قد أغنته عن أسلوبٍ تقليديٍّ لم يعد ذا نفع.!
* حُكِي أن الحجاج خرج يوماً متنزهاً، فلما فرغ من نزهته صرف عنه أصحابه وانفرد بنفسه، فإذا هو بشيخ من بني عجل، فقال له: من أين أيها الشيخ
قال: من هذه القرية.
قال: كيف ترون عمالكم
قال: شر عمال؛ يظلمون الناس، ويستحلون أموالهم.
قال: فكيف قولك في الحجاج
قال: ذاك، ما ولى العراق شر منه، قبحه الله، وقبح من استعمله
قال: أتعرف من أنا
قال: لا. قال: أنا الحجاج
قال: جُعلت فداك
أو تعرف من أنا؟
قال: لا.
قال: فلان بن فلان، مجنون بني عجل، أصرع في كل يوم مرتين.
قال: فضحك الحجاج منه، وأمر له بصِلة.
خالد السيف
نقلا عن “الشرق”