هل قرأت معروضي يا معالي الوزير
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
عايشت من بين من عرفت في حياتي من السادة الكرام أصحاب المعالي، شخصيتين على طرفي المسطرة وتناقض التعامل مع فكرة بناء العلاقات العامة والتواصل المجتمعي. ليس من المهم كشف الأسماء ولا دخل للأسماء بالفكرة. معالي الوزير الأول كان مؤمناً بضرورة بناء الخيط الواضح الفاصل ما بين حياته الشخصية الخاصة وبين حياته الرسمية الوظيفية. وذات زمن وقبل أن يغادر الوزارة دعاني لمقابلة ودية في غرفة الفندق الأبهاوي، وأتذكر كم كان حريصاً أن أصل إليه دون أن يلحظ بعض المواطنين الذين تسمروا في بهو الفندق انتظاراً لخروجه. وعندما قلت لمعاليه أن يقرأ الضجة الكبرى يومها في الإعلام والمجتمع حول عزلته ورفضه اللقاءات المباشرة كان حازما وهو يرد: لا يكسر الأنظمة ولا يصادر القوانين شيء مثل ثقافة “المعاريض” التي لا يصل بها سوى أصحاب الأعلى، وقد تعلمت تبعاً لطبيعة وزارتي أن معظم هؤلاء إما أصحاب مصالح أو هواة ومحترفي مخالفات للأنظمة، ومن شيم الوزير ألا يقول “لا” في المكان العام أمام الجمهور. كان معاليه مؤمناً أن الوزير يجب أن يبقى راسم استراتيجيات وخطط، وأن يبتعد قدر الإمكان عن محرقة الورق ومعاملاته اليومية. ضحكنا كثيراً وهو يعتذر على الهاتف بجملة قصيرة عن دعوة غداء من أحد الأعيان ثم يقول لي… (هذا يبي جملين من الوزارة بعد خروفه…. أعرفه زين). وبالمختصر: ما زالت نسبة كبرى من المجتمع ترى أنه كان واحداً من أفضل الوزراء، وعلى النقيض فلن تجد له في كل محركات البحث صورة غير صورته الرسمية. لا ولائم ولا حفلات وهكذا عاش.
معالي الوزير الثاني، عاش حياة صاخبة ومليئة بكل تفاصيل التواصل المجتمعي على كل الأصعدة. كانت نفسه المفتوحة إلى كل الناس سجية فطرية. وعندما ذكرت له ذات يوم خصال صديقه الوزير الأول قال لي: هي مدارس… يا علي…. ولا تظن أننا نزور المناطق كي نكتشف شيئاً لا نعرفه من مبنى الوزارة بل نزورها كي يشعر المواطن بالاطمئنان أنه أوصل صوته للوزير. أتذكر منه ما قال: ألا تلاحظ أن هناك شاباً طويلاً مخيفاً يقف خلف أي وزير في كل زيارة أو لقاء عام مع شرائح المواطنين؟ قلت له: بلى. أجاب: هذا جامع أوراق ما تسميه يا علي ثقافة المعاريض، ومع كل ورقة يستلمها الوزير من مواطن ويستمع إلى صوته يبدأ بين الوزير وهذا الموظف ذلك “البروتوكول” السحري: الموظف يأخذ الورقة من الوزير وفي ذات اللحظة يرخي أذنه لشيء يشبه التعليمات من فم الوزير الذي لا يحرك إلا شفتيه. الموظف يرد: سم طال عمرك…
رغم أنه لم يسمع من الوزير لا حرفاً ولا كلمة. يذكر لي معاليه هذه الطرفة: كنت في المطار عائداً للرياض من إحدى المناطق عندما قابلني مواطن بمعروض ثم دار هذا “البروتوكول” مع موظفي، ويبدو أن المواطن لم يقتنع فواصل الشرح والطلب. وكي أنهي الموضوع قلت للموظف: أعطني معروضه لأقرأه كاملاً على الطائرة فحسبت أننا انتهينا. وقبل وصول الطائرة بقليل إلى مطار الرياض فوجئت بنفس المواطن يأتيني إلى مقعدي ثم يقسم بالله كم عانى ليجد حجز مقعد على ذات الطائرة قبل أن يسأل: هل قرأت معروضي يا معالي الوزير؟ يواصل: خشيت أن أجد نفس المواطن في صالون منزلي لو أجبت: سأقرؤه حالما أصل للمنزل.
علي سعد الموسى
نقلا عن “الوطن”