كيفَ لو كانت: «بائعة الشاي» في العهد النبويّ؟!
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
روى مُسلِمٌ في صحيحهِ بسندِه إلى ابْنُ جُرَيْجٍ: أنّهُ قال: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: طُلِّقَتْ خَالَتِي، فَأَرَادَتْ أَنْ تَجُدَّ نَخْلَهَا، فَزَجَرَهَا رَجُلٌ أَنْ تَخْرُجَ، فَأَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «بَلَى فَجُدِّي نَخْلَكِ، فَإِنَّكِ عَسَى أَنْ تَصَدَّقِي، أَوْ تَفْعَلِي مَعْرُوفًا»
هَذَا الْحَدِيثُ – كما يقول النوويُّ – «دَلِيلٌ لِخُرُوجِ الْمُعْتَدَّةِ الْبَائِنِ لِلْحَاجَةِ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَاللَّيْثِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَآخَرِينَ جَوَازُ خُرُوجِهَا فِي النَّهَارِ لِلْحَاجَةِ وَكَذَلِكَ عِنْدَ هَؤُلَاءِ يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ في عدة الوفاة ووافقهم أبو أَبُو حَنِيفَةَ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ وَقَالَ فِي الْبَائِنِ لَا تَخْرُجُ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الصَّدَقَةِ مِنَ التَّمْرِ عِنْدَ جُدَادِهِ وَالْهَدِيَّةِ وَاسْتِحْبَابُ التَّعْرِيضِ لِصَاحِبِ التَّمْرِ بِفِعْلِ ذَلِكَ وَتَذْكِيرُ الْمَعْرُوفِ وَالْبِرِّ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ».
حاشا النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أن يذهل عن كونها «امرأة» وتمرّ في كربة فقد عائلها كما أنه – صلى الله عليه وآله وسلم – لن يعدم إذ ذاك أحداً من أصحابه – من قراباتها أو من سواهم – وهي المحِدّة أن يكفيها مؤنة حاجتها ابتغاء أن تقرّ في «بيتها»! لكنه التشريع – الرحيم – لها ولمن سيأتي من بعدها إذ أباح لها العمل ولم يُحرمه.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية عن الْمُحِدَّة «وتَلْزَم مَنْزِلَها، فلا تَخْرُج بِالنَّهَار إلاَّ لِحَاجَة، ولا بِالليل إلاَّ لِضَرُورَة».
روى الشيخان عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت «تزوجني الزبير وماله في الأرض من مال، ولا مملوك، ولا شيء غير ناضح وغير فرسه، فكنت أعلف فرسه، وأستقي الماء، وأخرز غربه، وأعجن وكنت أنقل النوى من أرض الزبير على رأسي، وهي مني على ثلثي فرسخ».
وما من أحدٍ ألمّ بشيءٍ من سيرة «الزبير» إلا وعلم عنه «غيرته» الشديدة.!.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «أسرعكن لحاقاً بي أطولكن يداً» فكن يتطاولن أيتهن أطول يداً. قالت فكانت أطولهن يداً زينب رضي الله عنها، لأنها كانت تعمل بيدها وتتصدق، وإنها كانت امرأة قصيرة، ولم تكن أطولنا» أخرجه مسلم في صحيحه.
وعند ابن حجرٍ في «فتح الباري»: وقد أشار عياضٌ إلى أن زينب كانت تتصدّق من صناعتها. وثمّة رواية في مشكل الآثار للطحاوي تشي بأنّ زينب كانت صنعاء اليدين. أي حاذقة في الصّنعة.
وكانت رائطة امرأة ابن مسعود رضي الله عنهما امرأة صناع اليد، فكانت تنفق عليه وعلى ولده من صنعتها. رواه أحمد
ما تبقّى من مساحةٍ أُوجزُ به التالي:
* المُحكّم في مثل هذه المسائل هي «النصوص الشرعية» وليس الاحتكام إلى العادة وما نحن عليه من «تقاليد» وأعرافٍ ما أنزل الله تعالى بها من سلطان.
* رفع «الإصر والأغلال» عن المرأة يكون بالإحالة إلى ما كانت عليه (تطبيقاً راشداً) في أجلّ عصور الإسلام حيث العهد النبوي والقرون المفضلة إذ كانت فيه «المرأة» أفضل حالاً مما هي عليه – اليوم – وثمّة نماذج غنيّة للمسلمات العاملات قدمتها تلك العصور الذهبيّة على نحوٍ ثريٍّ وبأرجاءٍ متسعةٍ من شأنها أن تستوعب كلّ مستجدٍ/ ونازلة.. وليس بخافٍ أنّ قضية المرأة ليست خاصةً بها ذلك أنها قضية أسرة بل قضية مجتمع بأسره. وهل أنّ أحداً يمكنه أن يجادل في دور «المرأة» الفاعل في تنمية المجتمع الإنساني؟!
* لا جرم أن المشكلة تكمن في فهومنا جراء ما طال «عقولنا» من عطب وإلا فإنّ الإسلام كان «ثورةً» تاريخيّة بالنسبة لأوضاع المرأة في العالم كلّه بحسبانه ثورةً حقوقية انتهى بها إلى أن تكون متكافئة مع حقوق الرجل على حدّ سواء ذلك أنّ «الإسلام» مصدره خالق البشر «ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير» قال أبو إسحاق الشاطبي «وأيضاً فإن الرجل والمرأة مستويان في أصل التكليف على الجملة، ومفترقان بالتكليف اللائق بكل واحد منهما كالحيض، والنفاس، والعدة، وأشباهها بالنسبة للمرأة؛ والاختصاص في هذا لا إشكال فيه».
وحسبنا أن خطاب الشريعة يتناول المرأة والرجل سيّان فالكرامة إذن والتكريم لهما معاً والنصوص في هذا أظهر من أن تُذكر.
* تبقى التأكيد على أنّ «بائعة الشاي» كانت بكامل حشمتها ولم تجترح مخالفة شرعية ولم تجد نفسها على قارعة الطريق إلا للكفاف تقوتاً حلالا تبتغي به سدّ حاجتها ومن تعول!.
خالد السيف
نقلا عن “الشرق”