في هذه الدولة..
توارى عن الأنظار إذا حضر صهرك!
يجب أن تتوارى عن الأنظار إذا حضر صهرك، هذا هو ما تقوله العادات المتوارثة في المجتمع هناك!
يتوارث الموريتانيون عادة قديمة منتشرة في عدة طبقات من الشعب تتعلّق بضرورة عدم التواصل مع الصهر؛ وعلى زوج البنت ووالدها أن يحرصا على عدم الالتقاء أو حتى السلام على بعضهما.
ويعزو بعض الموريتانيين هذه العادة إلى التقاليد البربرية القديمة، وأعراف القبائل التي كانت تسكن المنطقة قبل قدوم العرب، وأيًّا كان مصدرها فهي مازالت متبعة حتى اليوم، بل إن الشباب الأكثر تعلّما وتمسكا بالحداثة، يظهرون تمسّكا كبيرا بهذه العادة في ظل تغير معطيات الحياة في المجتمع التقليدي، ومازال الموريتانيون بشكل عام ينظرون إليها باحترام وتقدير، فمن يجالس صهره أو يُسلّم عليه أو يتحدّث معه يعتبر خارجا على هذه التقاليد.
ويأخذ بعض الموريتانيين الأمر بشكل جدي، فالتواصل مع والد الزوجة يعتبر احتقارا وقلة تقدير، كما أن المبادرة بهذا التواصل من قبل والد الزوجة يعتبر خِفّة غير مرغوبة وسلوكا مشينا هو الآخر، بينما يخفّ الحرج قليلا في تواصل إخوة الزوجة مع زوج أختهم، وإن كان الأخ الأكبر يفضّل دائما أن يُعامل كأبٍ ويتم تحاشيه.
أشد الأفعال المشينة
وفي تفاصيل، أكبر لهذه العادة فالسلام والمجالسة والحديث ليست هي كل المحظورات التي يمنع اشتراكها مع الصهر، بل إن أشدّ الأفعال المشينة هي أن يأكل الرجل مع والد زوجته في مجلس واحد، أحرى أن يأكلا من مائدة واحدة.
والأكل في المجتمع الموريتاني ليس مجرد حاجة طبيعية، بل هو طقس يحاط بالكثير من القواعد المنظمة، وهذا ينطبق على الأكل بشكل عام، أما الأكل مع الصهر فليست له أي قواعد منظمة، لسبب بسيط، وهو أنه محظور بشكل تام، ولم يستطع المخيال الشعبي أن يتصوّره أساسا حتى يضع له قواعد منظمة.
وتقتضي هذه العادات أن من يسبق الآخر من الصهرين إلى مجلس ما، فعلى الآخر تحاشيه، وهذا ما يجعل الصهرين في حالة تيقظ دائم خشية أن يلتقيا صدفة، في مجلس أو شارع ضيق، وإن حدث والتقى الصهران اللذان حولتهما هذه العادة إلى غريمين، فعلى أحدهما أن يقوم بالتفاف حاد، وكلّما بالغ في هروبه وأظهر التسارع المختلق في سلوكه للهروب بعيدا، كلما كان فعله محمودا، ومُدرًّا للإعجاب من قبل المجتمع، ومُشعرا لصهره بالاحترام وجودة اختياره.
العريس الجديد وأم زوجته
وفي الوقت نفسه يقلّ الحرج في التعامل مع أم الزوجة، بل ينظر إليها أحيانا كأم أخرى للزوج، فعند اختيار العريس لعروسه، يمكنه التحدّث مباشرة مع أمها، على العكس تماما من أبيها، الذي يجب الوصول إليه عن طريق زوجته، وتنموا الألفة من أول يوم بين العريس الجديد وأم زوجته منذ أول لحظة، فهي من عليها أن تبادر بإظهار روح الأمومة تجاه صهرها الجديد، ولاحقا، عندما يصبح الخطيب زوجا لابنتها على الأم الاستمرار في علاقة التودّد والاحترام، وتقديم الهدايا بشكل مستمر في الأعياد والمناسبات لكسب ودّ صهرها، وبهذا تأخذ أم الزوجة التي تلقّب محليا بـ”النسيبة” صورة أكثر تسامحا من الصورة النمطية “للحماة” في ثقافة بعض البلدان العربية الأخرى، ولهذا حين يتندّر العرب على “الحماة” لا يصلون إلى سر النكتة ويبدو الأمر غير مثير للضحك، لأن “النسيبة” غالبا شخصية في غاية الود والسماحة.
السحوة
وتسمى هذه العادة في المجتمع المحلي بـ “السحوة” وهي مشتقّة من الكلمة العربية “الحياء”، والمعنى الإجمالي للكلمة أن حالة من الحياء والإحراج المتبادل يجب أن تسود علاقة الطرفين بحكم الأعراف والتقاليد، والحياء ضارب في تقاليد هذا الشعب، بدءًا من العمامة التي يتلثمون بها منذ مئات السنين، حتى تسمّوا بـ”الملثمين”، وقديما قال الشاعر الموريتاني عن شعبه:
قوم لهم شرف العلى من حمير وإذا انتموا لمتونة فهمُ همُ
لما حووا إحراز كل فضيلة غلب الحياء عليهمُ فتلثموا
ويتداول الموريتانيون أمثالا وقصصا تمجّد “السحوة” من الأصهار الذين يعرفون محليا بـ “الأنساب”، وقديما شاعت فتاوى من فقهاء موريتانيين حاولوا القضاء على هذه العادة، كما بادر رجال دين بارزون في المجتمع الموريتاني المعاصر إلى اقتحام مجالس أزواج بناتهم، كي يقدموا قدوة للمجتمع المحلي في محاولة لتطبيع العلاقة المتوتّرة بحكم التقاليد بين الأصهار، غير أن كل تلك الجهود ينظر إليها محلّيا كمحاولة لهدم التقاليد المحلية، أو إحلال لعادات خارجية محلّ العادات الأصيلة، خصوصا أن هذه العادة -بنظرهم- لا تتناقض مع تعاليم الإسلام، فحالة “السحوة” هذه لا تعدوا كونها إظهارا خاصا وتقليديا للاحترام.
مجمل القصة، إذا كانت لديك نية في الزواج بموريتانية فعليك احترام هذه التقاليد، واعلم أن كل محاولات تطبيع هذه العلاقة باءت بالفشل!