“عض شليلك”

“يالله بحجاك وبرجاك” هي الكلمة التي كانت تخرج من أفواه شيّابنا في السابق تعبيرا عن طلب الرحمة من شدة الحر والقيظ الكاتم على الأنفاس.. كانوا لا يعرفون إلا الظل للاحتماء به من الشمس أما اليوم فإن ظلالا كثيرة نتفيأ بها ولله الحمد والمنة.

لكن ماذا عن جيل اليوم الذي لا يعرف إلا المكيف والاسترخاء، ولم يجرب الكد تحت أشعة الشمس اللاهبة، ولا حتى المسير لبضعة كيلومترات خلال موجة الحر.. هذا الجيل بات من الطراوة حتى إن أمراض الشتاء تنتقل معه إلى الصيف والعكس صحيح من فرط وهن يعاني منه، ولا تجد منه إلا التأفف وتوقع الويل والثبور، وكأن حرارة الصيف إعلان عن الاستنفار لتوديع العباد قبل مغادرة البلاد.

نقول للمتبرمين إن صيف هذا العام سيستقبل رمضان بكل شدته وحره اللاهب وأعان الله الناس من الناس لأن عبارات التأفف وضيق الخلق والتأكيد على أن هناك “كتمة” لا بد من الخروج منها ستحضر وعدم قبول الآخر وتحمله ستتصدر، خاصة من تلك التي لا تلوي على تحمل حتى لنظرة فكيف بعبارة، وكأن اجتماع الصيام والحر من المحرضات تماما على إفساد المزاج، حتى بات كثيرون لا يطيقون بشرا ولا حرا ، فكيف إذا اجتمعت مع جوع وعطش.

نقول لجيل النفوس الضيقة المتبرمة من كل شيء أن صيفكم هذا العام مختلف جدا، ونعتقد أنه لم يخف عليكم تسابق الفلكيين وهم يلوحون بالوعيد والتهديد أن صيفنا لهذا العام سيكون حارقا محرقا.. وسط توقعات أن تكون درجاته تفوق الستين درجة، وظله يشوي الدجاجة في قنّها!

ديننا السمح أقر لنا السعي صيفا وشتاء، لكنه حضنا على حسن المعشر ولطافة القول وقبول الآخر حتى في أصعب الظروف، لذا لا يتفق صيام تعبدا لله، ووجوه عابسة تكاد تنفجر في كل من يقابلها بحجة “أنا صائم وخلوني بحالي”.. ونحن جميعا ممن كتب الله علينا أن نركض في هذا الصيف قد بدأنا بتلمس جباهنا لإبعاد بعض قطرات أوجدتها الحرارة، ولن ننكر على باقي أشهر الصيف أن تصاحب معها بعض موجات الغبار من تلك التي تلاطف الوجوه وتحاول أن تقتلع أشباهها، وأقول الله يغفر لوالديكم ووالدينا الذين كانوا يجابهون الصيف بنفس مطمئنة عنوانها الرئيس الرضا بما كتبه الله.

مع التوقعات الكبيرة بموجات السخونة العالية ستواجه هذه البلاد موجات سفر عاتية لن تشمل الطائف وأبها فقط، بل ستبلغ معظم بلدان العالم، والقلب سيبقى مع من لن يستطيع مغادرة الرياض وجدة والدمام ومن شابهها فعليه أن يتلظى بلهيب الرياض وكآبة الأجواء في السواحل ويبدو أن كاتب هذه السطور أحد المعنيين، وعليه فلا بأس إن تنسم بعضا من العبير الاصطناعي وتفيأ ظلال الجدران الساخنة وتغنى بالبرودة الاصطناعية.

ختام القول إننا لم نكتشف جديد بالإشارة إلى أن صيفنا ساخن جدا، ولم يتغير حتى وإن بالغ الفلكيون بتوقعاتهم.. لكن من تغير؟! الأكيد أنه ليس الصيف بل نحن.. نحن الذين أصبحنا لا نطيق حرارة ولا نتكيف مع غبار.. رغم أن تاريخنا دليل علينا.. وملابسنا تشهد أيضا.

مساعد العصيمي

نقلاً عن “الوطن”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *