بنك «صيني» في السعودية

لم يلتفت الصينيون إلى جملة الأحداث السياسية المضطربة، التي تعيشها دول الخليج وما جاورها من التمدد الإرهابي في العراق وفي وسورية، ومحاربة الحوثيين في اليمن، وانشغال دول الخليج مع عدد من الأزمات السياسية، فأعلنوا الأسبوع الماضي افتتاح أول فرع لواحد من أكبر البنوك الصينية، وهو البنك الصناعي والتجاري، واتخذ من الرياض مقراً له؛ ليكون بذلك الفرع الخامس له في منطقة الشرق الأوسط بعد دبي وأبوظبي والدوحة والكويت.

ويلاحظ أن البنك الأكبر عالمياً اختار دول الخليج؛ ليكون مقراً لعملياتها في الشرق الأوسط، وهذا لا يأتي من فراغ، فهذه الدول تختار مواقعها الاستثمارية بعناية فائقة وبعد دراسة مستفيضة لأوضاع السوق، تضع في الحسبان كل الظروف السياسية والاقتصادية والأمنية.
السعودية اليوم تعد أحد أكبر الأسواق العربية في منطقة الشرق الأوسط، وتمتلك ملاءةً مالية وقدرة عالية على التحكم في الأسواق العالمية والتأثير فيها، ووفق التصنيف الائتماني للسعودية الذي أصدرته وكالة موديز للتصنيف الائتماني، منحتها نظرة مستقبلية مستقرة، على رغم تراجع أسعار النفط دون 60 دولاراً للبرميل، وحصلت بموجبه على AA3، وفي تقريرها الأخير أشارت إلى أن الوفورات المالية التي حققتها خلال الأعوام القليلة الماضية والمديونية المنخفضة لعبتا دوراً كبيراً في بقاء السعودية في هذا التصنيف المرتفع، وأن القوة المالية ستستمر خلال الأعوام المقبلة بما يفوق الأثر السلبي.

إن دخول بنوك ومصارف أجنبية إلى السوق المالية السعودية سيعطي ثقةً أكبر لكل المتعاملين مع الاقتصاد السعودي، على أنه لا يزال يتصدر الاقتصادات العربية والعالمية، وعلى رغم أن البنك الصيني قد تأخر في دخوله إلى السوق السعودية، إلا أنه يبقى جزءاً مهماً لتحتل السعودية مركزاً متقدماً لاستقطاب البنوك الأجنبية العالمية، وهو ما يخلق منافسة وفرص دعم المشاريع الاقتصادية والصناعية، وجذب الاستثمارات الأجنبية.

وعلى رغم أن الجهات المعنية لا تزال تتعامل مع طلبات افتتاح فروع للبنوك الأجنبية بتحفظ شديد، ويستغرق الوقت طويلاً في إنهاء إجراءاتها، هناك بنوك حصلت على الترخيص، ولم تباشر عملها، منها إستيت بنك أوف إنديا، باكستان الوطني وجي بي مورقان وبنك مسقط والبحرين، ولا تتكرم علينا مؤسسة النقد بتوضيح ما معوقات عمل المصارف الأجنبية، أو ما الشروط المطلوبة، وكم يستغرق من وقت للحصول على موافقات رسمية؟

كان من المفترض أن يفتتح البنك الصيني فرعه الأول في السعودية وليس الخامس، إنما الإجراءات التي تستغرقها المفاوضات تحتاج إلى إعادة نظر من المسؤولين، الدول المجاورة، ولاسيما دبي والبحرين، تستطيع تلك البنوك الحصول على الترخيص في وقت وجيز وبطرق أسهل، ومن دون تعقيد، ولاسيما أنها تصب في مصلحة اقتصاد البلد.

ومن شأن دخول البنوك الأجنبية خلق منافسة قوية بينها وبين البنوك المحلية، من حيث تنوع المنتجات والخدمات وتقديم تسهيلات مالية وتحريك السيولة وتوجيهها إلى مشاريع متنوعة، كما أن المصارف الأجنبية تسهم في استقطاب شركات أجنبية من بلدانها وإعطاء مزيد من الثقة والطمأنينة، وحينما تتنافس بنوك كبرى للدخول إلى السوق السعودية، فهذا مؤشر إيجابي يدفع إلى المزيد من التحفيز، فالبنك الصيني تبلغ ودائع عملائه 4.15 تريليون دولار، فيما تبلغ أصوله 5.5 تريليون دولار.

ومثلما تستقطب الدول رؤوس الأموال والشركات والاستثمارات الأجنبية، فدخول المصارف هي واحدة من الخطوات التي تقدم عليها الكثير من الدول، واليوم تعد الإمارات من أهم الدول التي تستقطب البنوك الخاصة الموجودة في الخليج، ومن إجمالي 61 مصرفاً منها 44 تتخذ من الإمارات مقراً إقليمياً، أي بنسبة 72 في المئة، هذا يعني أننا اليوم في منافسة مفتوحة، ولاسيما إذا ما علمنا أن أثرياء العرب معظمهم من الخليج، وهو ما يخلق منافسة كبيرة. وبحسب تقرير مجلة فوربس لهذا العام تحتل السعودية المرتبة الأولى من حيث الأثرياء العرب، منهم 41 ثرياً، بينهم 11 بليونيراً و30 مليونيراً.

شهدت الأعوام الأخيرة هجرة هذه المصارف من المنطقة العربية؛ بسبب الأحداث التي شهدتها الكثير من هذه الدول ولا تزال، ونتيجة لذلك خرجت الكثير منها وانسحبت من السوق، ولعل مصر شهدت أكبر نزوح للمصارف الأجنبية قبل عامين، والحال أيضاً في سورية والعراق. وفي اليمن بعضها هاجر نهائياً وأخرى تبحث عن ملجأ آمن.

كان من المفترض أن تدخل السعودية باكراً ميدان استقطاب المصارف الأجنبية، كما فعلت دول الخليج، البحرين المصارف الإسلامية، والإمارات للمصارف الأجنبية. كان لابد من أن تدخل دائرة المنافسة باكراً؛ مستفيدةً من وضعها السياسي المستقر والأمني، وأيضاً مكانتها الاقتصادية عالمياً.

البنك الصناعي التجاري الصيني أتمنى أن يكون قد تخلص من المخاطر الائتمانية والقروض العقارية؛ واستفاد من المشكلات التي تمر بها البنوك في الصين، فقد حذر رئيس اللجنة التنظيمية للبنوك الصينية شانغ فولين من أن حجم الديون المتعثرة لدى البنوك في الربع الأول بلغت 56 في المئة من إجمالي حجم الديون؛ بسبب القروض العقارية. أعتقد بأن الوضع يختلف في السعودية، فالسوق بحاجة إلى منتجات تساعد في تمويل المشاريع، ولاسيما الصغيرة والمتوسطة، وتوسيع قاعدة الإقراض لمنتجات الصادرات السعودية، التي تواجه ضعفاً في الإمكانات وأيضاً المصانع الصغيرة، ويمكن لها أن تقدم تجارب جديدة في العمل المصرفي وتبادل الخبرات والمعرفة المالية، وتنشط من خلالها الجهات الحكومية في استقطاب شركات صينية، وتسعى إلى تقديم المزيد من التسهيلات لدخول مصارف وبنوك أخرى. فنحن اليوم في وضع يمنحنا المزيد من الفرصة للمنافسة.

جمال بنون

نقلا عن “الوطن”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *