«أرنب تبغى الفريسة… والفريسة في ظهرها»
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
بعد نشر مقالتي الأسبوع الماضي هنا في صحيفة «الحياة» يوم 16 تشرين الأول (أكتوبر) حول محاولة اغتيال الشخصية السعودية، تحداني مغرد في تويتر بقوله: «لو ثبت تورط السعودية… ماذا ستكتب هل ستنتقد فعلتها؟»، ولأني ألزمت نفسي ألا أدخل في جدل مع الذين يختفون وراء الأسماء المستعارة، فإني لم أعلق على تغريدته حينذام، أما الآن وقد صدر بيان النائب العام عن نتائج التحقيق الأولية في حادثة مقتل الزميل الراحل جمال خاشقجي – رحمه الله – فإن الإجابة عن تساؤله تصبح واجبة، خصوصاً أن السؤال طرح عليّ من آخرين غيره، ومنهم بعض الأصدقاء والأقارب.
والسؤال المشروع الآن هو: هل تورطت «السعودية» فعلاً في مقتل جمال خاشقجي؟ والإشارة هنا تعود إلى السعودية الدولة وقياداتها.
ولمحاولة الإجابة عن هذا السؤال، وبحسب ما لدينا من معطيات، يتضح أن النائب العام كان دقيقاً وموجزاً في بيانه، فلم يذكر أي تفاصيل حول الـ18 شخصاً الذين تم إيقافهم، لا أسماءهم ولا الجهات التي يتبعون لها، طالما أن التحقيقات مع الموقوفين لم تكتمل، لكن تصريح المصدر المسؤول الذي أعقب هذا البيان، والأوامر الملكية التي صدرت بإعفاء اثنين من كبار المسؤولين بينهم مستشار في الديوان الملكي ونائب رئيس الاستخبارات العامة، ثم إنهاء خدمة ثلاثة من كبار الضباط في رئاسة الاستخبارات العامة، وانتهاءً بتشكيل لجنة وزارية عليا برئاسة سمو ولي العهد تكون مهمتها «إعادة هيكلة رئاسة الاستخبارات العامة وتحديث نظامها ولوائحها وتحديد صلاحياتها في شكل دقيق وتقييم الإجراءات والأساليب والصلاحيات المنظمة لعملها، والتسلسل الإداري والهرمي بما يكفل حسن سير العمل وتحديد المسؤوليات». في هذه القرارات إشارة واضحة إلى أن هناك مهمة غير مصرح بها وتم تنفيذها بطريقة غير منضبطة ولا تتوافق مع سلوك الدولة وتوجهاتها ولا مع السمعة الطيبة التي اكتسبها جهاز الاستخبارات السعودي في الداخل والخارج.
إذاً، وبحسب المعطيات المتوافرة، نحن أمام قضية جنائية ستكشف تحقيقات النيابة العامة أبعادها، إذ من الممكن أن تتحول إلى قضية أمن دولة بعد أن يعرف المحققون حدود مسؤوليات كل المشاركين في هذه الجريمة. الذين أفرطوا باستخدام القوة والذين تكتموا على الجريمة والذين سمحوا بهذه المهمة بداية، وهل لهم ارتباطات بأطراف خارجية، وقبل هذا يجب ألا نسمح لأحد بأن يتخرص ويفتي بالتكهنات.
لست بالتأكيد من محبي نظرية المؤامرة، لكنه أصبح واضحاً للجميع أن هناك مخططاً يجري العمل عليه منذ سنوات لاغتيال «الشخصية السعودية». وللإيضاح فقط أقول أن الاغتيال المعنوي للدول لا يتوقف عند اغتيال الأشخاص أو القادة كما حدث في محاولة اغتيال الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز فقط، وإنما يتعداه إلى إسقاط سمعة الدولة وشيطنة قادتها ومحاصرتها سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وصولاً إلى تفكيكها وهدمها بالكامل.
ولعل هذا يبرر الربط الذي قمت به بين تصريحات حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني وأزمة جمال خاشقجي، والحقيقة أن السجل التآمري لحكام قطر الحاليين جعل غيري أيضاً يصلون إلى النتيجة ذاتها، ذلك أن أمير قطر السابق حمد بن خليفة وشريكه حمد بن جاسم أفصحوا عن عقدة الدولة الصغيرة وحلم تأسيس دولة أكبر على أنقاض المملكة العربية السعودية في المحادثات الشهيرة التي جرت مع معمر القذافي، وحين حاول حمد بن جاسم تبرير هذه المخطط التآمري بعد فشله جاء تبريره ساذجاً وهزيلاً لا يقنع طفلاً في السابعة من عمره. وكان هذا توجه حمد بن خليفة منذ تولى السلطة بعد انقلابه على والده، فقد بدأ بالتحالف مع كل الشياطين الذين طاولتهم اتصالاته جامعاً كل التناقضات في عاصمة بلاده الصغيرة، فقد أسس قناة الجزيرة وتواصل مع الإسرائيليين سراً ثم علانية، وأهدى الأميركيين أكبر قاعدة لهم في العالم، ثم تحالف مع الإخوان المسلمين» وطالبان والإيرانيين ثم الأتراك.
وخلال الأسبوعين اللذين استغرقتهما أزمة جمال خاشقجي – رحمه الله – ظهر كل القيح الذي تختزنه الأنفس الصدئة. فبعد حملة من التسريبات المقصودة من أجهزة الأمن التركية والتضخيم وكثير من الفبركات من وسائل الإعلام القطرية وحلفائها تحددت «مطالب» الحلف غير المقدس بالتالي: إسقاط نظام الحكم السعودي بعد تصويره بأنه نظام دموي لا يتردد في قتل معارضيه بأبشع السبل. وفي الحد الأدنى إسقاط ولي العهد الأمر محمد بن سلمان.
إفشال الجهود السعودية التي تتصدى للمشروع التوسعي الإيراني في المنطقة ممثلة بالانسحاب من الحرب في اليمن وتحقيق نصر لعملاء طهران الحوثيين.
إفشال المشروع النهضوي الذي يقوده ولي العهد السعودي وإسقاطه لتحويل المملكة إلى واحة اقتصادية مزدهرة تكون مصدراً للصناعة والتقنية والطاقة المتجددة للعالم كله.
إسقاط المعارضة السعودية الصلبة لمشروع تصفية القضية الفلسطينية عبر ما يسمى «صفقة القرن»، وهي الصفقة التي عجز حلفاء الشر عن إلصاقها بالرياض.
هذا السجل التآمري يجعل من المنطق وضع النظام القطري في صدارة المستفيدين، ليس من مقتل جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية فحسب، ولكن من التداعيات التي خلقت حولها لتقترب به من تحقيق حلمه، ففي محادثاته مع القذافي عام 2003 حدد حمد بن خليفة 12 عاماً لسقوط الدولة السعودية، وعلى هذا الوهم بنى كل تحالفاته مع أطراف سيكون هو أول فرائسها لو تحقق حلمه، ومثلنا الشعبي يصف هذه الحالة بدقة متناهية: «أرنب تبغى الفريسة والفريسة في ظهرها».
سلطان البازعي
(الحياة)